للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" لم يلبث الجبل (١) حتى اكتسى وما حوله من الأرض بجموع الوهابيين، وكان مشهدهم يملأ النفوس ذعرا (٢) ولكن إذا ما تغلب الإنسان على هذا الانطباع الأول وجد لديهم خصالا حميدة، فهم لا يسرقون قط، لا عن طريق القوة، ولا عن طريقة الحيلة، إلا إذا اعتقدوا أن المتاع يخص عدوا أو كافرا، وهم يؤدون أثمان كل ما يشترونه، وأجور كل الخدمات التي تقدم إليهم، بالعملة التي لديهم، يطيعون زعماءهم طاعة عمياء، ويتحملون صامتين كل أنواع المشاق، وهم على استعداد لأن يتبعوا قادتهم إلى أقصى أنحاء المعمورة.

" إن الحقيقة تفرض علي أن أعترف أنني وجدت جميع الوهابيين الذين تحدثت إليهم على جانب من التعقل والاعتدال (٣) وقد استقيت منهم كل المعلومات التي أوردوها عن مذهبهم، ولكن على الرغم من اعتدالهم لا يستطيع السكان والحجاج سماع مجرد اسمهم دون أن تتملك الرجفة قلوبهم، ولا يتلفظون به إلا همسا، لذا فإن الناس يهربون منهم، ويتجنبون التحدث إليهم قدر الإمكان، وكلما أردت التحدث إليهم كان علي أن أتغلب على كثير من الصعوبات التي يخلقها لي من يحيطون بي ".

والسبب الأول في هذه العداوة أن الناس لم يفهموا للوهلة الأولى المعنى الإصلاحي لهدم المزارات وتقويض أضرحة الأولياء التي كان المؤمنون يؤدون لها واجب الإجلال، وقد كاد هذا الإجلال يتحول إلى نوع من العبادة التي لا تجب إلا لله وحده، وألغيت بعض العادات التي كان يتبعها الحجاج، كالإبقاء على خصلة من الشعر عند حلاقة الرأس وفقا للتقاليد، وحظرت زيارة بعض الأماكن المقدسة التي دخلت من قبل في تقاليد الحج، وهكذا هدم مزار جبل النور الذي تقول التقاليد إن الملاك جبرائيل أملى فيه على النبي أول سورة من القرآن، وأقيم حاجز كبير في أسفل الجبل للحيلولة دون صعود الحجاج إليه لأداء الصلاة فيه، وكذلك هدم مزار جبل عرفات نفسه.

وقد طبق الوهابيون على عكس ذلك نصوص الشريعة كما وردت في القرآن الكريم تطبيقا مشددا بحماسة كلية، حتى إن أحدا من الحجاج لم يجرؤ على التدخين، وأرسل


(١) يقصد جبل عرفات.
(٢) هذا بفعل الدعاية المضادة بدليل ما بعده.
(٣) إذن لماذا الذعر؟

<<  <   >  >>