فالعقل مهما بلغ من الإدراك والتحصيل فإنه تبع للشرع، لا يمكن أن يقدم على الوحي المعصوم ولا أن يحكم فيه.
وهذا المنهج القويم - أعني منهج التلقي والاستدلال على قواعد شرعية مأمونة - يعد من أكبر الفوارق بين أهل السنة وبين مخالفيهم أهل الأهواء والافتراق والابتداع.
ومصادر التلقي تعدُّ أهم ركيزة يبني عليها دين المسلم في العقيدة والأحكام والسلوك ومنهج الحياة كلها؛ لأن التلقي إنما يعنى: تلقي الدين جملة وتفصيلًا وذلك لا يكون إلا عن الله تعالى وما أمر به من التلقي عن رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧] [سورة الحشر، آية (٧) .] .
وإذا كان مبدأ التلقي عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم (القرآن والسنة) معلومًا بالضرورة عند كل مسلم، ويدعيه المحق والمبطل، والمتبع والمبتدع.
فإن مجرد الدعوى لا تكفي، بل لا بد من تحقيق وبرهان، وعند التحقيق نجد أن السلف الصالح أهل السنة والجماعة، ومنهم إمام هذه الدعوة الإصلاحية المباركة، وأتباعها، هم الذين سلمت عندهم مصادر التلقي نقية صافية، وكذلك منهج الاستدلال بخلاف خصومهم أهل البدع والأهواء والافتراق الذين حادوا عن الحق، ولبسوا على الناس، وسلكوا طريق الغواية وسبل الضلالة، حينما أخذوا يستمدون دينهم أو بعض دينهم من المصادر الداخلية، ومن أوهام العقول، ودعاوي العصمة لمن هم دون الرسول صلى الله عليه وسلم، من الأئمة وغيرهم، من الصالحين والطالحين، والأولياء والأدعياء، وكذلك دعاوي الكشف والذوق ونحو ذلك، مما يفعله كثيرون من أهل الكلام والفلسفة والتصوف والرفض، ومن سلك سبيلهم.
ولذا فإن دعوى الاتباع للكتاب والسنة عند هذه الفئات، دعوى كاذبة وملبسة فهم:(يلبسون الحق بالباطل) .
فكان لزامًا على أهل الحق وأهل العلم أن يبينوا وجه الحق ويكشفوا عن وجه الباطل في هذه المسألة، وهذا ما فعله وقام به إمام الدعوة وعلماؤها وأتباعها، وسائر أهل السنة، ولأن المنهج الحق في التلقي والاستدلال بين واضح بحمد الله لا لبس فيه ولا غموض.
فقد اجتهدت في هذا الفصل في بيان القواعد التي اعتمدها أهل السنة والجماعة، من علماء هذه الدعوة ومن سبقهم من علماء الأمة ومجتهديها على مقتضى الكتاب والسنة