للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو قدّر للدعوة والحركة السلفية ألا تتعرض لما تعرضت له من ضغوط حربية من جانب أعدائها، لتمكنت من توحيد كلمة العرب والمسلمين في وقت كانوا أحوج فيه إلى وحدة الكلمة واتحاد الهدف، يقول الدكتور طه حسين في هذا الصدد: ". . ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب، وحاربوه في داره بقوى وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها لكان من المرجو جدا أن يوحد هذا المذهب (١) كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة، كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول " (٢) .

كما لا يخفى أثر هذه الحركة والدعوة الإصلاحية على اليقظة الفكرية في العالم الإسلامي وذلك بالنشاط العلمي الذي برزت آثاره عن طريق ما يقع بين أنصار الدعوة وخصومها من محاجات ومناقشات، ومحاولة دعم كل فريق لأقواله بالدليل والبرهان , ولقد أحدث هذا نهضة علمية وثقافية عارمة بعد الجمود الفكري والتأخر العلمي الذي مني بهما العالم الإسلامي فترة من الزمن طويلة.

ومن جهة أخرى فإن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية حملت الناس على أن يقبلوا وجهات النظر، وأن يرجعوا إلى ما خلّف السلف من آراء وسنن، حتى انتهوا إلى الينابيع الأولى للإسلام يستقون منها جميعا، ونتج عن ذلك تلاقي وجهات النظر , على حين أخذت شقة الخلاف تضيق كما هو ملاحظ اليوم.

والحق، أنه إذا كان مقياس نجاح كل حركة مقدرا بالنتائج والثمار التي تجنى منها فنستطيع أن نقول - بكل أمانة وتجرد - إن حركة الدعوة السلفية قد نجحت كل النجاح، وآتت من الثمار أكثر مما ينتظر منها قبل ذلك، وحقق الله لأصحابها ما كانوا يأملون من عزة ومنعة ونصر وتمكين، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: ٥٥]


(١) وصف طه حسين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها (مذهب) خطأ، والواقع أن الدعوة إحياء للإسلام كما كان عليه المسلمون الأوائل عن طريق التمسك بالقرآن والسنة وآثار سلفنا الصالحين، وخصوم الدعوة هم الذين وصفوها بـ (المذهب الوهابي) كما مر آنفا.

(٢) طه حسين: الحياة الأدبية في جزيرة العرب ص ١٣ و ١٤.

<<  <   >  >>