جار ومجرور و"عليٌّ" صيغة من صيغ المبالغة على وزن "فعيل" فتنوع القراءتين هنا أوضح أمرًا ظاهرًا، وهو أن اللفظ الواحد أدى إلى معنيين مختلفين، لكنهما يتعاونان في إبراز علاقة متداخلة بين القراءتين، على معنى أن قراءة الجمهور استفيد منها وعد الله -سبحانه وتعالى- بضمان استقامة المخلصين؛ لأنهم على صراطه، وهذه ومَن كان على صراط الله فلا يضل ولا يشقى، وأما قراءة يعقوب فتفيد بأن هذا الصراط رفيع الشأن، عال القدر، وكيف لا يكون كذلك وهو طريق الله ضمن لأهله الاستقامة، ووعدهم بالسلامة، وأحلهم -سبحانه وتعالى- دار المقامة من فضله لا يسمهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب؟
ذلك واضح من تنوع القراءتين بين صيغتين؛ صيغة المبالغة وصيغة الجار والمجرور.
وهناك ظاهرة صرفية أيضًا في تنوع القراءات: أن يأتي اللفظ بالإفراد وبالجمع، وكان من نماذج ذلك ما جاء في سورة يوسف -عليه السلام-: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}(يوسف: ٧) فقرئت: {آيَاتٌ} بالجمع، وقرئت:"آية" بالإفراد. فبالنظر إلى معنى القراءتين يتضح وجه من وجوه الإعجاز، وهو أن قراءة الجمع {آيَاتٌ} تبين مدى العبرَ العظيمةَ التي وُجِدت في قصة يوسف -عليه السلام- أما قراءة الإفراد فتبين أن قصة يوسف -عليه السلام- قصة عظيمة الشأن بها عبرة، وبها آية عظيمة من آيات الله -سبحانه وتعالى-. فالتقت القراءتان على معنًى يبين عظمَ شأن قصة يوسف -عليه السلام- في ذاتها، أو بما فيها من عبر متنوعة، ودل على ذلك تنوع صيغتي الجمع والإفراد:{آيَاتٌ} و"آية".
من النوادب أيضًا التي تأتي في مجال الصرف هذا النموذج في قوله تعالى حكايةً عن فرعون:{سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}(الأعراف: ١٢٧){سَنُقَتِّلُ} بالتشديد، و"سنقتل" فالقراءتان متواترتان، وهذا