كذلك هناك تنوع القراءات بين النصب والخفض، وهذه أحدثت إثراءً عظيمًا في القواعد اللغوية والقواعد النحوية، وعندنا القراءة المشهورة قراءة حمزة بن حبيب الزيات، قراءة أول سورة النساء:"وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ"(النساء: ١) بالخفض، فقراءة الجمهور وقراءة جمهور أهل الأداء بالنصب:"والأرحامَ" وقراءة حمزة بالخفض "والأرحامِ" هذه القراءة أدت إلى خلاف شديد بين النحاة وبين أهل اللغة ممن يتمسكون بقواعدهم على الغالب الأعم الأشهر، وينكرون من القراءات ما يتعارض مع ما يذهبون إليه من قواعد، فمعلوم أنهم يُلزِمون -مع إعادة الخافض- إعادةَ الخافض مع الخفض، أي: إذا قلت: سلمت عليك ومحمدًا، فذلك لا يجوز، فلا بد أن تقول: سلمت عليك وعلى محمد، وذهبت إليك وإلى علي، فلا يصح ألا تعيدَ الجار، فجاءت القراءة هنا حجة عليهم في عدم إعادة الجار، فقال الله -سبحانه وتعالى-: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" ولم يقل: "وبالأرحامِ" فلم يعد الخافض، وإن كان إعادة الخافص هو الشهير وهو لغة القرآن:{عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ}(هود: ٤٨){إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ}(الزمر: ٦٥){لِي وَلِوَالِدَيَّ}(نوح: ٢٨).
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي أظهرت هذه المسألة.
تنوع القراءات في التصريف، أي: علم الصرف، وما يتعلق به من قواعد أفادت الصرفيين، وانبني عليها إعجاز في قول الله -سبحانه وتعالى- وفي القراءات المتواترة:
من النماذج التي تُصور الإعجازَ في تنوع القراءات صرفيًّا قول الله -سبحانه وتعالى-: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ}(الحجر: ٤١) فقرئت: {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ} بفتح اللام والياء على أنها اتصلت بها ياء المتكلم، وهذه قراءة الجمهور، وقرئت:"هذا صراط عليٌّ" بكسر اللام ورفع الياء منونًا. فمعلوم أن "علي" هي