نموذج آخر يشابه هذا النموذج وله معنى جميل في ذكر القصة، وهو قول إخوة يوسف -عليه السلام- ليوسف -عليه السلام- عندما قال لهم:{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ}(يوسف: ٩٠) فقرئت تواترًا: {أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} وقرئت: "إنَّك لأنت يوسف" بهمزة واحدة على سبيل الإخبار، وذلك يوضح أنهم عرَفوا أخاهم عندما قال -عليه السلام- لهم وذكَّرهم بما فعلوه به وبأخيه، فقالوا له هذه العبارة:"إنك لأنت يوسف" وإن كانت على سبيل الاستفهام فهو استفهام على سبيل التقرير، فهم يريدون منه الإقرار على أنه يوسف -عليه السلام- فلم تتعارض القراءتان، وإنما أكدتا المعنى المراد بأنهم عرفوا أخاهم، وعرفوا أنه هو مَن آذَوه، ومَن رموه في غيابات الجب عندما ذكرهم -عليه السلام- بنفسه.
فهذا من النَّصَف القرآني الجميل الذي جاء عن تنوع القراءات بين الخبر والإنشاء، ومعلوم أن التنوع بين الخبر والإنشاء ربما يننتج عن الفهم فقط أو عن التفسير فقط دون تنوع القراءة، ولكن تنوع القراءة يسري هذا المعنى البلاغي.
مثال الناشئ عن عدم تنوع القراءة قوله تعالى:{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا}(المائدة: ٢٣) هل هو على سبيل الدعاء فيكون ذلك إنشاءً؟ أم على سبيل الإخبار فيكون الأسلوب بذلك خبريًّا؟
وإلى غير ذلك من النماذج الكثيرة الواردة في كتاب الله -سبحانه وتعالى- ولكن تنوع القراءات يثري هذا المجال بصورة تتضح بمن يتذوق القراءة تذوقًا بلاغيًّا في هذا الأسلوب.
عندنا نموذج من تغير الأسلوب بين الخبر والأمر، منه قول الله -سبحانه وتعالى-: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(الأنبياء: ١١٢){قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} هذه صيغة خبر؛ لأنها جاءت بصورة الماضي، قرئت تواترًا: "قل ربي