للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قرن كان أخبث مما قبله، قال:

﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا - إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: ٢٦ - ٢٧]

فأجاب الله دعوته، وأمره أن يصنع الفلك برعاية منه وحسن نظر وتعليم من الله له هذه الصنعة التي امتن الله بها على العباد، وصار نوح له الفضل والابتداء بهذه الصناعة التي حصل بها من المنافع الدينية والدنيوية في جميع الأوقات ما لا يعد ولا يحصى، وأخبره الله بتحتم إغراقهم، وأنه لا يخاطب ربه فيهم فإنهم ظالمون، وجعل يصنع الفلك، وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه، فقال لهم: إن تسخروا منا اليوم فإنا نسخر منكم إذا وقع الهلاك بكم، وأوحى الله إليه أنه إذا جاء ذلك الوقت وفار التنور، أي: جعلت الأرض كلها تتفجر عيونا من كل جانب حتى المواضع البعيدة عن النار عادة، وأمره أن يحمل من البهائم من كل زوجين اثنين ذكر وأنثى ليبقى نسلها؛ لأنه يتعذر حملها كلها، والحكمة تقتضي إبقاء هذه الحيوانات التي خلقها الله مسخرة لمصالح البشر، ويحمل معه جميع من آمن من رجال ونساء، والحال أنه ما آمن معه إلا قليل، وأمره أن يحمل أهله إلا من سبق عليه القول بالهلاك، فلما أركب جميع من أمر بهم قال لهم: سموا الله كلما جرت وكلما رست؛ لأن الأسباب مهما عظمت فهي من لطف الله، ولا تمام لها إلا بالله.

فحينئذ فجر الله الأرض عيونا، وأمر السماء أن تصب الماء المنهمر الكثير، فالتقت مياه السماء بمياه الأرض، وساحت على الأماكن المنخفضة، ثم ارتفعت شيئا فشيئا على كل المرتفعات حتى خفيت قمم الجبال الشاهقة، والسفينة تجري بهم في موج كالجبال تضرب يمينا وشمالا، وفي تلك الحال

<<  <   >  >>