المزعجة رأى نوح ابنه الكافر الذي كان على دين قومه وقد اعتزل أباه حتى في هذه الحال، فرآه مثل سائر قومه قد فر هاربا من المياه الجارفة، فناداه نوح مترققا فقال:
فلا يعصم جبل ولا حصن ولا غير ذلك إلا من رحم الله، ورحمته في تلك الحال متعينة في ركوب السفينة مع نوح.
﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ﴾ [هود: ٤٣]
فكان ذلك الابن من المغرقين.
فأغرق الله جميع الكافرين، ونَجَّى نوحا ومن معه أجمعين، وكان في ذلك آية على أن ما جاء به نوح من التوحيد والرسالة والبعث والدين حق، وأن من خالفه فإنه مبطل، ودليل على الجزاء في الدنيا لأهل الإيمان بالنجاة والكرامة، ولأهل الكفر بالهلاك والإهانة.
فلما حصل هذا المقصود العظيم أمر الله السماء أن تقلع عن الماء، والأرض أن تبلع ما فيها، وغيض الماء أي: نقص شيئا فشيئا، واستوت السفينة بعد غيض الماء على الجودي، وهو جبل شامخ معروف في نواحي الموصل.