وقيل: هو الرفيق مطلقا في الحضر والسفر، وهذا أشمل، فإنه يشمل القولين الأولين، فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له والوفاء معه في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه؛ وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد.
﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [النساء: ٣٦] وهو الغريب في غير بلده، سواء كان محتاجا أو غير محتاج، فحث الله على الإحسان إلى الغرباء، لكونهم في مظنة الوحشة والحاجة، وتعذر ما يتمكنون عليه في أوطانهم، فيتصدق على محتاجهم، ويجبر خاطر غير المحتاج بالإكرام والهدية والدعوة والمعاونة على سفره.
﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٦] أي: من الرقيق والبهائم بالقيام بكفايتهم، وأن لا يحملوا ما لا يطيقون، وأن يعاونوا على مهماتهم، وأن يقام بتقويمهم وتأديبهم النافع؛ فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه المتواضع لعباد الله المنقاد لأمر الله وشرعه، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل؛ ومن لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه، عات على الله، متكبر على عباد الله، معجب بنفسه، فخور بأقواله على وجه الكبر والعجب واحتقار الخلق، وهو في الحقيقة السافل المحتقر.
ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: ٣٦] فهؤلاء ما بهم من الأوصاف القبيحة تحملهم على البخل بالحقوق الواجبة، ويأمرون الناس بأقوالهم وأفعالهم بالبخل، ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٧] أي: من العلم الذي يهتدي به الضالون، ويسترشد به الجاهلون، فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين