الحق؛ فهؤلاء جمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم والسعي في خسارة غيرهم، وهذه هي صفات الكافرين، ولهذا قال: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: ٣٧] أي: كما استهانوا بالحق، وتكبروا على الخلق، واستهانوا بالقيام بالحقوق، أهانهم الله بالعذاب الأليم والخزي الدائم.
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: ٢٩] أي: احذر هذين الخلقين الرذيلين: البخل بالواجبات وفي بذل المال فيما ينبغي بذله فيه، والتبذير بالنفقة فيما لا ينبغي أو زيادة على ما ينبغي، ﴿فَتَقْعُدَ﴾ [الإسراء: ٢٩] إن فعلت ذلك ﴿مَلُومًا﴾ [الإسراء: ٢٩] أي: تلام على ما فعلت من الإسراف، لأن كل عاقل يعرف أن الإسراف مناف للعقل الصحيح؛ كما أنه مناف للشرع، فإن الله جعل الأموال قياما لمصالح الخلق؛ فكما أن منعها وإمساكها عن وضعها فيما جعلت له مذموم فكذلك بذلها في الأمور الضارة، أو الزيادة غير اللائقة في الأمور العادية وغيرها مذموم، لأنه إتلاف للمال بغير مصلحة، وانحراف في حسن التصرف والتدبير، وضعف التدبير وعدم انتظامه مذموم في كل شيء، كما أن حسن التدبير محمود ونافع لفاعله وغيره.
﴿مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: ٢٩] أي: فارغ اليد، فلا بقي ما في يدك من المال، ولا خلفه مدح وثناء.
وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى وغيرهم مع القدرة، فأما مع العدم أو تعذر النفقة الحاضرة فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا، فقال: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾ [الإسراء: ٢٨] أي: تعرضن