عن إعطائهم حاضرا، ولكنك ترجو فيما بعد ذلك تيسير الأمر من الله، ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾ [الإسراء: ٢٨] أي: لطيفا برفق ووعد بالجميل عند الوجود، واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر، لينقلبوا عنك مطمئنة قلوبهم، عاذرين راجين كما قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٣]
وهذا من لطف الله بالعباد، أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه؛ لأن انتظار ذلك عبادة، وسبب لحصوله، فإن الله عند ظن عبده به، وكذلك وعدهم أن يعطوهم إذا وجدوا عبادة حاضرة لمن وعدوا، لأن الهم بفعل الخير والحسنة خير، ولهذا ينبغي للعبد أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، وينوي فعل ما لم يقدر عليه إذا قدر، ليثاب على ذلك، ولعل الله ييسره له.
وفي قوله: ﴿ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا﴾ [الإسراء: ٢٨] فيه: الحث على تعليق القلب والرجاء والطمع بالله، وصرف التعلق بالمخلوقين، فالموفق: في حال الوجود والغنى قلبه متعلق بحمد الله وشكره والثناء عليه، لا ينسى ولا يبطر النعمة، وفي حال الفقد والفقر صابر راض راج من الله فضله وخيره ورحمته، وهذا من أجل عبادات القلوب المقربة إلى علام الغيوب.
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١] وذلك أن الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها، فنهى الوالدين عن هذا الخلق الذي هو من أرذل الأخلاق وأسقطها: قتل أولادهم خشية من الفقر والإملاق، ففيه عدة جنايات: قتل النفس الذي هو من أعظم الفساد، وأشنع من ذلك قتل الأولاد الذين هم فلذ الأكباد، وسوء الظن برب العالمين، وجهلهم وضلالهم البليغ، إذ ظنوا أن وجودهم يضيق عليهم الأرزاق، فتكفل لهم بقيامه برزق الجميع.