فأين هذا الخلق الشنيع من أخلاق خواص المؤمنين الذين كلما كثرت أولادهم وعوائلهم قوي ظنهم بالله، ورجوا زيادة فضله وقاموا بمؤنتهم مطمئنة نفوسهم، حامدين ربهم أن جعل رزقهم على أيديهم، ومثنين على ربهم إذ أقدرهم على ذلك، وراجين ثواب ذلك عنده، ومشاهدين لمنة الله عليهم بذلك؟ قال ﷺ:«هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم ورغبتهم إلى الله».
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٣٢] والنهي عن قربان الزنا يشمل النهي عنه وعن جميع دواعيه ومقدماته، كالنظر المحرم، والخلوة بالأجنبية، وخطاب من يخشى الفتنة بخطابه ونحو ذلك؛ ووصف الزنا بأقبح الأوصاف: بأنه فاحشة، أي: جريمة عظيمة تستفحش شرعا وعقلا، لأن فيها انتهاك حرمة الشرع والتهاون به، وفيه إفساد المرأة، وإفساد الأنساب، واختلاط المياه، وفيه إضرار بأهلها وبزوجها وبكل من يتصل بها، وفيه من المفاسد شيء كثير.
وأمر تعالى بإيفاء المكاييل والموازين والمعاملات كلها بالقسط من غير بخس ولا نقص ولا غش ولا كتمان، وفي ضمن ذلك الأمر بالصدق والنصح في جميع المعاملات، فإنه بذلك يصلح الدين والدنيا، ولذلك قال: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٣٥] أي: هو خير في الحاضر، وأحسن عاقبة في الآجل، يسلم به العبد من التبعات، وتحل البركة في هذه المعاملة.
وقوله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦] أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فإن التثبت في الأمور كلها دليل على حسن الرأي وقوة العقل، وبه تتوضح الأمور، ويعرف بعد ذلك