رجع - أي: فرغ من جميع شؤون النسك -، ودل إطلاق إيجاب الصيام على أنه يجوز فيها التتابع والتفريق.
(ذَلِكَ) أي: وجوب الهدي على المتمتع والقارن؛ أو بدله لمن لم يجد من الصيام، ﴿لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وهم الأفقية؛ لأن من الحكمة في إيجاب الهدي على الأفقي أنه لما حصل نسكين في سفرة واحدة كان هذا من أعظم نعم الله، فكان عليه أن يشكر الله على هذه النعمة الجليلة، ومن جملة الشكر إيجاب الهدي عليه.
وأما المقيمون في مكة أو كانوا في قربها - بحيث لا يقال لهم مسافرون - فليس عليهم هدي ولا بدله لما ذكرنا من الحكمة وَاتَّقُوا اللَّهَ: في جميع أموركم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ومن ذلك امتثالكم لهذه المأمورات في هذه العبادة الجليلة، واجتنابكم لمحظوراتها، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: ١٩٦] أي: لمن عصاه، وذلك موجب للتقوى، فإن من خاف عقاب الله انكف عن السيئات، كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب، وأما من لم يخف الله فإنه لا بد أن يتجرأ على المحارم، ويتهاون بالفرائض.
ثم أخبر تعالى أن الحج واقع في أشهر معلومات عند المخاطبين، بحيث لا تحتاج إلى تعيين كما احتاج الصيام لتعيين شهره، وكما بين تعالى أوقات الصلوات الخمس، وأما الحج فقد كان من ملة إبراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته، معروفة بينهم، والمراد بالأشهر المعلومات عند الجمهور: شوال وذو القعدة، وعشر أو ثلاثة عشر من ذي الحجة، فهي التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبا، وهي التي تقع فيها أفعال الحج: أركانه وواجباته ومكملاته، ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: ١٩٧] أي: عقده وأحرم به؛ لأن الشروع فيه يصيره فرضا ولو كان قبل ذلك نفلا.