للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{ما فرطنا في الكتاب من شيء} [سورة الأنعام ٦: الآية ٣٨]، وقوله تعالى: {تبيانا لكل شيء} [سورة النحل ١٦: الآية ٨٩]، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: «حسبُنا كتاب الله».

وظهر لطائفة أخرى أن الأَولى أن يكتب لِمَا فيه من امتثالِ أمرِهِ، وما يتضمنه من زيادة الإيضاح. ودل أمرُهُ لهم بالقيام على أن أمرَهُ الأولَ كان على الاختيار، ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياماً ولم يعاود أمْرَهم بذلك، ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم؛ لأنه لم يترُكِ التبليغَ لِمُخالفة من خالَفَ!

وقد كان الصحابة يُراجعونه في بعض الأمور ما لم يَجزِم بالأمر، فإذا عزم امتثلوا (١).

وقال الحافظ ابن حجر في موضعٍ آخر من كتابه:

وقال النووي: اتفق قولُ العلماء على أن قولَ عمرَ - رضي الله عنه -: «حسبنا كتاب الله» من قوة فقهه ودقيق نظره؛ لأنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجَزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة (٢)، وأراد أن لا ينسدّ بابُ الاجتهاد على العلماء.

وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر - رضي الله عنه - إشارة إلى تصويبه رأيَه.

وأشار بقوله: حسبنا كتاب الله إلى قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [سورة الأنعام ٦: الآية ٣٨].

ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينةٌ بأن الذي أراد كتابته ليس مِمّا لا يستغنون عنه؛ إذ لو كان من هذا القَبيل لم يتركْهُ صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم.


(١) «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني ١/ ٢٨٢.
(٢) يُستدل لذلك بأدلةٍ كثيرةٍ صريحةٍ منها قوله صلى الله عليه وسلم: «ذروني ما تركتُكم».
أخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (٣٢٥٧)، وأحمد في «مسنده» برقم (٧٣٦٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقوله في صلاة شأن التراويح: «خشيتُ أن تُفترَضَ عليكم».
أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (٢٠١٢)، ومسلم في «صحيحه» برقم (١٧٨٤) من حديث عائشة رضي الله عنها.

<<  <   >  >>