(٢) كذا. (٣) من أين أتت هذه الحقائق؟ وما مصدرها؟ وما مقياس صحتها؟ وأقول: على الرغم من أنّ عبد الملك بن مروان ليس بتلك الشخصية المثالية، ولا ذلك الخليفة الراشدي؛ إلا أنّ سيرته ـ على أخطائها ـ ليست بتلك الصورة المظلمة التي يُريد الكاتب تسويقها؛ للطعن المعتاد في رموز الأمة وكبار شخصياتها. وما زعمه من شأن عبد الملك بن مروان وتهديده بالقتل من يقول له: اتق الله. أقول بشأنه: لم أهتدِ إليه، ولم أعثر عليه؛ فيا ليتَ الكاتبَ خضعَ لمقتضيات البحث العلمي (النزيه) ووثّق لنا معلومته القيّمة، وعزاها إلى مصدرٍ معتبَر. وبالمقابل؛ فإنّني أقول: لقد عثرتُ على خبرٍ مخالفٍ لدعوى الكاتب أُمرَ فيه عبدُ الملك بن مروان بتقوى الله مراتٌ وهو في مجلس ملكه وبين حاشيته؛ فلم يلَجّ ويستكبر بل أذعن وخضع. روى المزّي في «تهذيب الكمال» ٢٠/ ٨٠ - ٨١: وقال الرياشي عن الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان ـ وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته ـ فلما بصر به قام إليه، فسلم عليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه، وقال له: يا أبا محمد حاجتُك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في حرم الله وحرم رسوله؛ فتعاهَدْهُ بالعمارة. واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار؛ فإنك بهم جلست هذا المجلس. واتق الله في أهل الثغور؛ فإنه حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين؛ فإنك وحدك المسؤول عنهم. واتق الله فيمن على بابك؛ فلا تغفل عنهم ولا تغلق دونهم بابك. فقال له: أفعلُ! ثم نهض وقام، وقبض عليه عبد الملك فقال: يا أبا محمد إنما سألتَنا حوائجَ غيرك وقد قضيناها فما حاجتك؟ فقال: ما لي إلى مخلوق حاجة. ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا ـ وأبيك ـ الشرف، هذا ـ وأبيك ـ السؤدد.