وقال عزّ من قائل:{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}[سورة التوبة ٩: الآية ١٢٥].
نعم، هو كذلك لِمن يَستَنِرْ به كما أراد الله تباركَ في علاه، ومَن لم يتّبِعْ مَنهَجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار الأبرار في الاهتداءِ به، ذلك المنهج الذي بنى أمةً أشرَقت أنوارُ حضارتِها إشراقةَ الشمسِ في الضحى الأغرّ، تلك الحضارة التي لو لم تكن ربّانيةً لَما نبغَت ذلك النبوغ الهائل كمّاَ ونوعاً، زماناً ومكاناً.
ذلك لأنّ هذا الكتابَ العزيزَ نزلَ دستوراً، وجعَلَهُ اللهُ تبارك وتعالى منهاجاً، وإنّ من شأن الدساتير، وديدن المناهج أنها تخلو من التفريعات والتفصيلات، وتُعرِضُ عن الدخول في الصغائرِ والجزئيّات.
إن القرآن الكريم نزل بأُسُس العقيدة المبنية على التوحيد الخالص، وجاءَ بشيءٍ من ركائزِ العبادات والمعاملات والأخلاق، وها هو بين أيدي الخلق أجمعين يتكلّم ببيانٍ يسمو عن الإجابة عن أسئلةٍ كثيرةٍ لا تُحصى، ويسكت عن مسائلَ أكثرَ من أن تُستقصى.
فلمَ كان ذلك؟ أهو نسيانٌ ممّن تكلّم به سبحانه لتلك الأشياء؟ أم تفريطٌ من رسولَيه الملَكيّ والإنسيِّ عليهما السلام؟ أم ضياعٌ من أمّةٍ اؤتُمِنَت فخانت، واستُحفِظَت فلم تحفَظ؟
إنّ كلّ ذلك ليس بكائن، بل إن هذا القرآنَ العظيم كتابُ هداية، ولكنّ هدايةَ القرآن هدايةٌ إجماليةٌ لا تفصيلية.
وإنّ سيدَنا محمداً عليه الصلاة والسلام العبدَ الكريمَ الذي نزل عليه القرآنُ وكُلّفَ بأدائه إلى عباد الله كما نزل فأدّى ذلك التكليف خير أداء، وُكِلَت إليه مع الأداءِ وظيفةٌ أخرى قد لا تقلّ عن الأولى شرفاً وخطراً.