إنها مهمة بيانٍ للإبهام، وتوضيحٍ للإشكال، وتفصيلٍ للإجمال، وإجابةٍ عن كلّ ما يسأل عنه المسلمُ حين يقرأ موادّ الدستور الربانيّ، وأوامر المرسوم الإلهيّ: كيف يكون تطبيقُها؟ وكيف يكون استمرارُها نبراسَ هدايةٍ للبشرية مع اختلاف الأزمنة والأمكنة؟
وقد قام بذلك سيدُنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير قيام، وأجابَ عن التساؤلات الإنسانيةِ خيرَ إجابةٍ، ولم يدَعْ إلا ما تدعو إليه الحاجة غيرُ الحقيقية، ويدفعُ إليه بطَرُ التكلّف، وترَفُ التنطّع.
لقد ترك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سُنةً سدّت كلّ السُّبُل، وأوصدَت جميعَ الأبوابِ سواها إلى الله تعالى وتبارك، فاهتدى بهديها المسلمون أربعةَ عشرَ قرناً ونيّفاً، وجدوا فيها لكلّ داء دواءاً، ومن كلّ وجعٍ وبلسماً وشفاءاً.
إلا أنّ بعضَ أهل الأهواء في كلّ دهرٍ من الدهور، وعصرٍ من العصور، غصّ بالسُّنّة الغراء، وشرَقَ بالنعمة البيضاء؛ لأنها وقفت بينهم وبين جعلهم أهواءَهُم عقداً وديناً، فجرّدوا فيها مباضعَ التأويل وهو أول التضليل، وأغمدوا فيها نصولَ الاجتزاءِ وشِفارَ التطويع.
بل زادَ بعضُهم غيّاً إلى أن تجرّأ على ردّ ما لا يُعجِبُهُ منها، وتكذيب ما لا يحلو له من أحاديثها، وبلغ السيلُ زُباه، ووصل الضلالُ منتهاه؛ بأن نجمت منذُ أزيد من قرنٍ زَرافاتٌ من الناس أنكَروا السُّنّة بالكليّة، وردّوا كلّ ما أتاهم من الأحاديث النبويّة، وأعلنوا أنهم رمَوا بها ظِهريّاً، وأفرَطوا بأن تَجرّأ بعضُهم على التهكُّم بها واتخاذِها سُخريّاً.
واستمرّ الفكر الفاسد بتفريخ النَّكِرَة بعد الأخرى حتى طلعت على الناس في الآونة الأخيرة جماعةٌ سمّت نفسها «أهل القرآن» أو «القرآنيون»، أشهرت أنها لا تؤمن إلا بالقرآن وحدَه، وأن كلّ ما نُسِبَ إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كذبٌ وافتراء، وزورٌ ودجل!
وإنه لَمّا كانت لهذه الجماعة منابرُ إعلاميةٌ مرموقةٌ تبثّ فكرَها وتنشُرَه بين المسلمين، فقد أوضعت خلال بني الأمة تبغيهِمُ الفتنة، وأحدثت في جسدها جُرحاً جديداً من الجراح الأليمة، فانبرى عددٌ من المسلمين للردّ على هذا الضلال، ووقفوا في وجه هذا التجديف.