للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنّ هذا العامَّ في الآية هو «من العام الذي أريد به الخاص فيكون المعنى: ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبينّاه في الكتاب إما نصّاً، وإما مُجمَلاً، وإما دلالة» (١).

وذكر الإمام القرطبي (٢) هذا القول بقوله:

«وقيل: أي: في القرآن. أي: ما تركنا شيئًا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب، قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [سورة النحل ١٦: الآية ٨٩]، وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سورة النحل ١٦: الآية ٤٥]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر ٥٩: الآية ٧].

فأجمل في هذه الآية وآية النحل ما لم ينصّ عليه مما لم يذكره، فصدق خبر الله بأنه ما فرّط في الكتاب من شيء إلا ذكره، إما تفصيلاً وإما تأصيلاً؛ وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}» (٣).

وأما الوجه الثاني:

فإنّ الدلالةُ اللغويةُ المفهومةُ من لفظةِ «كلّ» في الآيتَين الأولَيَين بمعنى العموم المُطلَق الذي لا يخرُجُ عنه شيءٌ غيرُ مقصودةٍ؛ بدليلين:

- أولهما: أنّ العرب تستعمل لفظة «كل» وتُريدُ بها خُصوصاً تقصده.


(١) قاله ابن الجوزي في «زاد المسير» ٣/ ٣٥.
(٢) محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي، أبو عبد الله، من كبار المفسرين.
رحل إلى الشرق واستقر في شمالي أسيوط بمصر، وتوفي فيها سنة (٦٧١ هـ).
أشهرُ كتبه التي تدل على غزارة علمه «الجامع لأحكام القرآن»، و «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، و «التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة».
«الوافي بالوفيات» ٢/ ٨٧ الترجمة (٤٧٢).
(٣) «الجامع لأحكام القرآن» ٨/ ٣٧١.

<<  <   >  >>