للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاحتجاج ليس بشيءٍ قد يُشكك به القرآنيون بل بالقرآن نفسِه، فها هو الله عزّ وجلّ يحكي لنا عن ريح قوم عاد: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [سورة الأحقاف ٤٦: الآية ٢٥].

فهل دمّرت هذه الريحُ كلّ شيءٍ على الإطلاق؟ وهل دمّرت الجبالَ والوديان، والسماوات والأرض، .... ؟

إنها لم تُدمّر إلا قومَ عادٍ وما يتعلّق بهم، ولم تتعدّهم إلى شيءٍ غيرهم؛ {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [سورة الأحقاف ٤٦: الآية ٢٥].

- وثانيهما: الواقع المرئيّ المحسوس المشاهَدُ في كلّ زمانٍ ومكان، من أنّ ثمةَ أشياءَ لا تُعدُّ ولا تُحصى لم يُبيِّنها القرآن، من مثل كيفيةِ تنفيذِ أوامرِهِ بالصلاة على سبيل المثال. ودعونا من اختلافِ فقهاء الأمة الإسلامية حول «جزئياتٍ» في الصلاة، فإننا لن نحتجّ به، بل سنحتجّ باختلافِكم ـ معاشر القرآنيين ـ حول الصلاة:

إن بعض القرآنيين يرى أنّ القرآن الكريم يفرض على المسلم أن يصلي في كل وقت من أوقات الصلاة أكثر من ركعة، ولم يحدد له عدداً مخصوصاً وتركه يتصرف كما يشاء، وإن الإنسان يجب عليه أن يصلي ركعتين على الأقل، وله أن يزيد على ذلك ما شاء أن يزيد بحيث لا يخرج عن الاعتدال والقصد ... وبعد ذلك فللمسلم الاختيار فيما يفعل على حسب ما يجده من نفسه ومن قوته، أما الصلاة المعروفة اليوم بمواقيتها وهيئاتها، فما كان يعرفها الرسول نفسه ولا أصحابه، وهي غير واجبة على الأمة الإسلامية في جميع الأزمنة والأمكنة، أو فهي لا تدل على وجوب ما فوق الركعتين (١).

ويزعم أنه إذا كنا وليس عندنا دليل قطعي على وجوب هذه الأعداد من الصلوات والركعات، والله لا يتعبّدُنا بالظن، وحيث أن (٢) هذا الأمر لم يصل إلينا


(١) هذا القائل هو الدكتور توفيق صدقي أحد أوائل القرآنيين في مصر، يُنظَرُ ما كتبه في مقاله «الإسلام هو القرآن وحده» في «مجلة المنار» المجلد ٩/ص ٥١٧ - ٥٢٠.
(٢) كذا.

<<  <   >  >>