مما ذُكر مِن صِيَغ الحصر المعتبر مفهومه: حصر المبتدأ في الخبر، ولذلك صيغتان:
إحداهما: نحو: "صديقي زيد". صرح بذلك إمام الحرمين والغزالي وإلْكِيَا وغيرهم مستدلين بأن "صديقي" عام، فإذا أخبر عنه بخاص وهو زيد، كان حصرًا لذلك العام (وهو الأصدقاء كُلهم) في الخبر (وهو "زيد")؛ إذْ لو بقي من أفراد العموم ما لم يدخل في الخبر، لَزِمَ أن يكون المبتدأ أعم من الخبر، وذلك لا يجوز. قال الغزالي (١): لا لُغةً ولا عقلًا. فلا تقول:(الحيوان إنسان) ولا: (الزوج عشرة)، بل أن يكون المبتدأ أَخَص أو مساؤيا.
نعم، حَكَى ابن الحاجب في "أماليه" فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: هذا، نقله عن إمام الحرمين، فقال: زعم أنك إنْ أخرت "صديقي" عن "زيد" كانت الصداقة غير محصورة في زيد. وإنْ قَدَّمْتَه، كانت محصورة فيه.
قال: وكلامه مُشْعر بأن "صديقي" هو الخبر في الجملتين جميعًا. ووجه ما قال أن "صديقي " يقتضي الخبرية لإفادة النسبة إلى "زيد"، فإذا كان خبرًا فأخَّرته، لم يَلْزم الحصر؛ لجواز أن يكون الخبر أَعَم، فإذا قدمته مع كونه خبزا فلم تُقَدمه إلا لغرض، وذلك هو قصد الحصر.
والقول الثاني: مِثله، إلا أن أيهما قدمته فهو المبتدأ، لكن تقديم "صديقي" يفيد الحصر، وتقديم "زيد" لا يفيده كما قدمناه. ووَجْه ذلك أن المعرفتين إذا اجتمعتَا، كان أسبقهما المبتدأ، وتوجيه الحصر -في تقديم "صديقي" وعدمه في تأخيره- ما سبق.