للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم وراء كون المقدم أَخَص من التالي وأنه لا يَلزم مِن انتفائه انتفاؤه أن التالي قد يكون ثابتًا باعتبار أن المقدم المنفي بِـ "لو" [قد اقتضى ثبوته بأن] (١) كان المنفي في المقدم مناسبًا له إما بطريق الأولوية أو المساواة أو الأَدْوَبيَّة.

ولكلٍّ مثال:

فمثال الأول: قول عمر - رضي الله عنه -: "نِعْم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه" (٢). فدخلت "لو" فيهما وهُما نفي؛ فاقتضت امتناع أولاهما وهي الشرط، فصارت مثبتة؛ لأن نَفْي النفي إثبات، فيثبت الخوف، وهو مناسب لثبوت التالي الذي هو نَفي العصيان بالأولوية على حال عدم الخوف وهو الإجلال؛ لأن مَن لا يخاف إذا كان لا يعصي إجلالا فَلأنْ لا يعصي عند الخوف من باب أَوْلى. فَلِعَدَم العصيان سببان: الإجلال، والخوف. فإذا كان يوجد مع الإجلال وإن لم يكن خوف فمع الخوف أَوْلى.

ومثل هذا قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان: ٢٧] الآية، فعدم النفاد ثابت على تقدير كون ما في الأرض من الشجر أقلامًا وسبعة أبحر تمد البحر الذي يمد منه، فثبوت عدم النفاد على تقدير عدم ذلك أَوْلى.

وكذا: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣] يقتضي أنه ما عَلِم فيهم


(١) في (ص): لا يقتضي ثبوت التالي له وان.
(٢) قال الإمام السخاوي في (المقاصد الحسنة، ص ٧٠١): (حَدِيث: "نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ، لَوْ لَمْ يَخَفِ الله لَمْ يَعْصِهِ" اشتهر في كلام الأصوليين وأصحاب المعاني وأهل العربية من حديث عمر، وذكر البهاء السبكي أنه لم يظفر به في شيء من الكتب، وكذا قال جمعٌ جم من أهل اللغة، ثم رأيت بخط شيخنا أنه ظفر به في "مشكل الحديث" لأبي محمد بن قتيبة، لكن لم يذكر له ابن قتيبة إسنادًا، وقال: أراد أن صهيبًا إنما يطيع الله حُبًّا، لا لمخافة عقابه).

<<  <  ج: ص:  >  >>