ومثله النهي عن تَلَقِّي الركبان وعن بيع الحاضر للبادي، خلافًا لمن زعم أن النهي لخارج لازم، حتى أنه استشكله على القاعدة، ولا إشكال؛ لأن النهي فيه إنما هو للتضييق على أهل البلد ببيعه قليلًا قليلًا ونحو ذلك.
والمثال الثاني من الإيقاعات: طلاق الحائض، فإنه لتطويل العدة؛ فلذلك لو كانت حاملًا وقُلنا:"إن الحامل تحيض" وكانت تلك الأدوار لا تنقضي بها عِدة المطلق فإنه لا يكون الطلاق بِدْعيًّا.
ومثله إعتاق الراهن العبد المرهون إذا كان مُوسِرًا، فإنه ينفذ وإن كان منهيًّا عنه؛ لأنه لِتعلُّق حق المرتهن.
والمثال الثالث من العبادات: الصلاة في الدار المغصوبة، ونحوه الوضوء من إناء الذهب والفضة والاستنجاء بهما، وأمثال ذلك.
وهو معنى قولي:(وَمِثْلٍ فَاحْتَذِي)، أي: وبمثل ذلك احتذِ، أي: اطلُب حذو ذلك. هذا قول الأكثرين في القِسمين، ووراء ذلك خلاف نذكره مبسوطًا في المنهي عنه لِعينه أو لجزئه.
وحاصل ما فيه مذاهب:
أحدها: المختار كما سبق أن النهي يدل على الفساد مطلقًا، سواء أكان المنهي عنه عبادة أو معاملة. وهو رأي الجمهور من أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأهل الظاهر وطائفة من المتكلمين كما نقله القاضي في "مختصر التقريب" وابن فورك والأستاذ أبو منصور.
وقال الشيخ أبو حامد: (إنه مذهبنا الذي نَص عليه الشافعي وأكد القول فيه في "باب البحيرة والسائبة" أن النهي إذا ورد مجردًا، اقتضى فساد الفعل المنهي عنه. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأهل الظاهر وكافة أهل العلم). انتهى