وهو عجيب، فإن الأظهر أنه لا فرق بين التحريم والتنزيه في ذلك.
وهو معنى قولي في النَّظم:(وَلَوْ تَنْزِيهَا)؛ لأن "المكروه" مطلوب الترك، و"الصحيح" مطلوب الفعل شرعًا؛ فيتنافيان، فيُعْلم أن طلب تركه يقتضي عدم انعقاده.
وقد سبق بيان ذلك في أول الكتاب في الكلام في الأحكام في مسألة أن "الأمر لا يتناول المكروه"، وأن الصحيح عند أصحابنا فسادُ الصلاة في الأوقات المكروهة وإنْ قُلنا: النهي للتنزيه.
فإنْ قلتَ: فيَلزم على هذا فساد الصلاة في الأماكن المكروهة، وليس كذلك.
قلتُ: إنما قلنا بالصحة فيها لأن النهي فيها ليس لوصف لازم، بل لأمر خارج غير لازم، كالصلاة في المغصوب، والبيع في وقت النداء، فصار هذا كالوضوء بالماء المشمس، وهو صحيح بلا خلاف.
فإنْ قلتَ: فما الفرق بين الزمان والمكان؟
قلتُ: الفعل في الزمان يُذْهِب جُزءًا منه، فكان النهي منصرفا لإذهاب هذا الجزء في المنهي عنه، فهو وصف لازم، إذْ لا يتصور وجود فِعل إلا بإذهاب جزء من الزمان. وأما المكان فلا يذهب جزء منه ولا يتأثر بالفعل، فالنهي فيه لأمر خارجي مجاور، لا لازم. فحَقِّق ذلك؛ فإنه نفيس.
واعْلَم أن حقيقة هذا الخلاف بيننا وبين الحنفية ينبني على أصل آخَر وهو أن الشارع إذا أمر بشيء مطلقًا ثم نهى عنه في بعض أحواله، هل يصير فَقْد تلك الحالة شرطًا في المأمور به