وذهب قوم إلى أنه لا يدل على الصحة، وادَّعى القاضي فيه الاتفاق.
وكأن الحنفية لما قالوا: فاسد من حيث الوصف، يصدق موافقتهم على الفساد في الجملة.
نعم، فرَّعوا على ذلك أنه لو نذر صوم يوم النحر، ينعقد نَذْره عندهم، ويجب عليه إيقاعه في غير يوم النحر. فإنْ أَوْقَعه فيه، كان ذلك محرَّمًا، ويقع عن نذره.
وكذا قالوا في طواف الحائض: إنه يجزئها عن طواف الفرض حتى [يحصل](١) التحلل به.
وإذا باع درهمًا بدرهمين، يبطل العقد في الدرهم الزائد، ويصح في القَدْر المساوي.
كل ذلك تحقيق لقولهم: إنه صحيح بأصله، فاسدٌ بالوصف.
وبالغوا في التخريج على هذه القاعدة، فقالوا: الزنا يُثبت المصاهرة حتى تحرم أُم المزني بها وبنتها على الزاني، وإنَّ الكفار إذا استولوا على أموال المسلمين، ملكوها.
لكن الصواب أن هذا ليس من هذه القاعدة؛ لأن الزنا والاستيلاء من الأفعال الحسِّية، ولا خِلاف عندهم في أن النهي عن الأفعال الحسية لانتفاء الشرعية؛ ولهذا لم يَقُل أحد بمشروعية الزنا والغصب. ولهم في ذلك مأخذان:
أحدهما: أن المنهي عنه في يوم النحر مثلًا إيقاع الصوم، لا الصوم الواقع، والمفهومان متغايران؛ إذْ لا يَلزم مِن تحريمِ الإيقاع تحريمُ الواقع، كما لا يَلزم مِن تحريمِ الكون في الدار المغصوبة تحريمُ نفس الصلاة؛ لِتغايُر المفهومين.