الواضِعُ له عند الإطلاق. هذا فيما يحتمل المجاز، وهو ما كان ظاهرًا كالعام.
أما ما كان نصًّا كالعَدد فلا مجاز فيه، وليس إلا الإخراج المَحْض. ويظهر أثر هذا في أن المخصِّص المنفصل يأتي في العام ولا يأتي في العَدد، والاستثناء في العام كاشف عن الإرادة المخصِّصة، والاستثناء في العَدد هو المُخرج بنفسه، لا بدلالته على إرادة متقدمة، ولهذا لو أراد بعضَه فقط ولم يوجد لفظ الاستثناء، لم يَصِح في العَدد وَيصح في العام.
ولو قال:"أنت طالق ثلاثًا"، ونَوَى بِقَلْبه:"إلا واحدة" وماتت قبل نُطقه بقوله: "إلا واحدة"، يقع الثلاث. نعم، يُشترط نية الاستثناء قبل فراغ اللفظ؛ لأجل الربط، فالنية فيه شرط لاعتبار الاستثناء بعده، وليست مُؤثِّرة، والنية في التخصيص مؤثرة في الإخراج وحدها، ويدل عليها تارةً بمخصِّص منفصل، وتارةً بمتصل. والنية في العام المراد به الخصوص مؤثِّرة في نقل اللفظ عن معناه إلى غيره.
ومن هنا يُعْرَف أن عَدَّ ابن الحاجب البدل في المخصِّصات ليس بجيد؛ لأن الأول في قولنا:"أكلت الرغيف ثُلثه" يشبه العام المراد به الخصوص، لا العام المخصوص) (١). انتهى
وهو كلام نفيس أوردتُه بحروفه؛ لِمَا فيه من تقرير أمور يُحتاج إليها في هذا الباب، ولكن إذا تأملته مع ما سبق من كلام مَن تَقدمه، تجده مفهومًا منه.
ويُعلم مِن ذلك أيضًا أن قول بعض مُتأخِّري الحنابلة في الفَرق بأن:(العام الذي أُريد به الخصوص أن يُطلِق المتكلِّم اللفظ العام ويريد به بعضًا مُعَينًا، والعام المخصوص هو الذي أريد به سَلْب الحكم عن بعض منه. وأيضًا فالذي أريد به خصوص يحتاج لدليل معنوي يمنع إرادة الجميع، فيتعيَّن له البعض، والمخصوص يحتاج لتخصيص لفظي غالبًا، كالشرط والاستثناء والغاية والمنفصل). انتهى