وذهب الأستاذ وإمام الحرمين وأكثر الفقهاء إلى أنه بيان، ومعناه أنَّ الناسخ بَيَّن أنَّ الأول انتهى التكليف به. وأنكروا كونه رَفْعًا؛ بناءً على أنَّ الحكم راجع إلى كلام الله تعالى وهو قديم، والقديم لا يرتفع.
لكن جوابه أنَّ المرفوع هو تَعلُّق الحكم، والتعلق حادث كما سبق بيانه أول الكتاب.
فقد اتفق القولان على أنَّ الحكم الأول انعدم تَعلُّقه، لا ذاته، وعلى أنَّ الخطاب الثاني هو الذي حقق زوال الأول.
وإنما اختلفا في أنَّ الرافع هو الثاني، حتى لو لم يجئ، لَتقي الأول؟ أو يقال: إنَّ الأول له غاية لا نَعلمها، فلمَّا جاء الدليل، بيَن انتهاءها، حتى لو لم يجئ، كان الحكم للأول وإنْ لم نعلمه؟
لكن قد سبق أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فرجع القول الثاني للأول؛ فلذلك أشرتُ بقولى:(فَهْوَ بَيَان لِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ) إلى رجوعه إليه.
وينحل الفرق بينهما إلى أنه زال به، أو زال عنده، لا بِه. ولكن لما لم يُعلم الزوال إلا به، استوى القولان.
ونظير هذا الخلافِ الخلافُ عند المتكلمين في أنَّ زوال الأعراض بالذات أو بالضد. فإنَّ مَن قال ببقائها، لمحال: إنما ينعدم الضد المتقدِّم بطريان الطارئ، ولولاه لَتقي. ومَن لم يَقُل ببقائها، قال: إنه ينعدم بنفسه، ويحدث الضد الطارئ، وليس له تأثير في إعدام الضد الأول.
ونظيره في الفقهيات الزائل العائد كالذي لم يَزُل، أو كالذي لم يَعُد.
فالذي يقول بالأول: يجعل العَوْد بيانًا لاستمرار حُكم الأول.