والقائل بالثاني يقول: ارتفع الحكم الأول بالزوال، فلا يرجع حُكمه بالعَود.
وقد ظهر بهذا التقرير أنَّ النزاع ليس لفظيًّا مِن كل وجه، بل معنوي، لكن يعود القولان إلى مقصد واحد بالاعتبار الذي سبق.
ومما يشبه ذلك تعبيرهم في الحدث بِـ "نواقض الوضوء"، و"انتقض الوضوء" كما هو رأي ابن القاص، وعبر به صاحب "التنبيه" وجمعٌ وإنْ فرَّ منه الأكثرون؛ لعدم الرفع فيه. لكن الأول أيضًا صحيح؛ لِمَا سبق.
ونحوه: الفسخ للعقود هل هو مِن حين الفسخ؟ أو مِن الأصل؟
فمَن قال: مِن حينه، جعله كالنسخ هنا؛ لأنَّ المراد انتهاء المدة، لا الرفع من الأصل؛ لأن الواقع لا يرتفع. فمَن أفسد هذه العبارة بهذه الشبهة، يُجاب بذلك.
إذا عَرفْتَ ذلك، رجعنا إلى شرح التعريف.
فقولنا:(رَفْع): جنس. وقولنا:(حُكم شرعي) خرج به المباح بحكم الأصل عند القائل به؛ فإنَّ ذلك بحكم عقلي، لا شرعي. فإذا خرج فَرْد مِن تلك الأفراد، فلا يُسمى نَسخًا.
ولهذا اعتُرِضَ على مالك في قوله:(إنَّ الكلام كان مباحًا في الصلاة في ابتداء الإسلام على الإطلاق، ثُمَّ نُسخ فيما لا يتعلق بمصلحة الصلاة بالإجماع، وبقي ما سواه على أصل الإباحة) بأنَّ هذا ليس بِنَسخ؛ لأن إباحة الكلام إنما كانت على الأصل، لا بخطاب شرعي.
وقولنا:(بخطاب شرعي) خرج به ما زال الحكم فيه بأمر عقلي كالموت والجنون والنوم والغفلة ونحو ذلك.
وزاد ابن الحاجب:"متأخِّر"؛ ليخرج ما لو قال:(صلِّ عند كل زوال إلى آخِر الشهر)، و [نحوه](١) المخصصات المتصلة كلها؛ فإنها إخراج بدليل شرعي لكن مقارِن، لا متأخِّر.