وإنما لم أذكر في التعريف هذا القيد؛ لأنَّ الرفع يستدعي ثبوت حُكم، والحُكم لم يثبت بأول الكلام؛ إذِ الكلام بآخِره، فكيف يرفع؟ وأيضا فيُستغنَى عن قيد "التأخر" بقولنا: (بخطاب شرعي)، فإنه إذا لم يتأخر، فكيف يكون رافعًا؟
وأيضا فالمخصِّصات [المتصلة](١) متأخِّرة لفظًا، فلا يُخرجها قوله:(متأخر). ولهذا أَبْدَل بعضهم "متأخر" بـ "مُتراخٍ"؛ لتخرج المخصِّصات المتصلة.
والكل لا يُحتاج إليه؛ لِمَا قررناه.
ومما يَخرُج بقولنا:(بخطاب شرعي) مَنْ سقطت رِجْلاه، فإنه لا يقال فيه: إنه رفع بدليل شرعي، بل بالعقل. وما وقع للإمام الرازي في "المحصول" مِن جَعْل ذلك نَسخًا فضعيف.
وهذا كله معنى قولي:(لَا الرَّفْعُ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّهْ) إلى آخره.
فإن قيل: النسخ قد يقع بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُقال فيه:"خطاب"، فكان الصواب التعبير بِ "دليل شرعي" كما عبَّر به ابن الحاجب، أو بِ "طريق شرعي" كما عبر به البيضاوي؛ ليدخل فيه الفعل. فقد جعل الأئمة منه نَسخ الوضوء مما مست النار بأكل الشاة ولم يتوضأ - صلى الله عليه وسلم -.
قيل: الفعل ونحوه هو مِن خطاب الشارع؛ لأنَّ المراد به كل ما وَرَدَ مِن الشرح دليلاً على حُكم فإنه يُسمى "خطابًا"؛ لأن الخطاب قديم وهو كلام الله تعالى، واللفظ والفعل دالَّان عليه.
أو يقال: إنَّ الفعل حيث قلنا: (ناسخ) فإنما المراد أنه دالّ على ناسخ، لا أن الفعل نفسه ناسخ؛ لأن للفعل أزمنة متعاقبة فلو كان هو الناسخ، لَمَا تَحقَّق نَسخ إلا بعد انقضائه، فكان