الجمع، فلا تَعارض؛ فلا نَسخ. فلهذا لا يقال: نُسِخ صوم عاشوراء برمضان، ولا كل صدقة بالزكاة. غايته أنه وافق نَسخ وجوب صوم عاشوراء (على تقدير صحة ذلك) فَرض رمضان، ووافق رَفعُ فَرْضٍ غير الزكاة فرضَ الزكاة، فالنسخ واقع عند ذلك، لا بِه، ولذلك فائدة تظهر فيما بَعْد في بعض المسائل.
تنبيه:
كان شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني يَعيبُ على الأصوليين ذكر خلاف اليهود في النَّسخ ويقول: الكلام في أصول الفقه فيما هو مُقرَّر في الإسلام وفي اختلاف الفِرق الإسلامية، أما خلاف الكفار فإنما يناسب ذِكره في كُتب أصول الدين.
وأما أبو مُسلِم فهو محمد بن بَحر الأصفهاني. قال ابن السمعاني:(وهو رجل معروف بالعلم وإنْ كان قد انتسب إلى المعتزلة، ويُعد منهم، وله كتاب كبير في التفسير، وله كتب كثيرة، فلا أدري كيف وقع هذا الخلاف منه؟ ! ). انتهى
قال السبكي:(وقد وقفتُ على تفسيره، وليس هو الجاحظ كما تَوهمه بعضهم).
قال: (وأنا أقول: الإنصاف أنَّ الخلاف بين أبي مُسلِم والجماعة لفظي، وذلك أن أبا مُسلِم يجعل ما كان مُغَيًّا في عِلم الله تعالى كما هو مُغَيًّا باللفظ، وسمَّى الجميع "تخصيصًا"، ولا فرق عنده بَيْن أن يقول:{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧] وأن يقول: "صوموا" مُطْلَقًا (١) وعِلمه محيط بأنه سينزل: "لا تصوموا وقت الليل". والجماعة يجعلون الأول تخصيصًّا والثاني نَسخا. ولو أنكر أبو مسلم النسخ، لَزِمَه إنكار شريعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يقول: كانت شريعة السابقين مُغيَّاة إلى مبعثه - صلى الله عليه وسلم -. وبهذا يتضح لك الخلاف الذي حكاه بعضهم في أنَّ هذه الشريعة مخصِّصة للشراع السابقة؟ أو ناسخة؟ فهي منتهية إلى مبعث