للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثانيها: قد بيَّنا أنَّ الشافعي لا يتكلم في الجواز العقلي أصلًا؛ لأن القول بمنع ذلك عقلًا إنْ كان المراد به أنه يَلزم مِن فرضه وقوع مُحَال فواضح البطلان وإنْ حكاه القاضي في "التقريب" قولًا لبعضهم. أو أنَّ العقل يقضي بأنه مُحَال فهو مدْرَك اعتزالي. والشافعي بريء مِن المقالتين، وهو أَجَلّ مِن أنْ يقول بشيء منهما.

وقد صرح الشيخ أبو إسحاق بأن الشافعي إنما يمنعه سمعًا، وعليه يُحمَل ما سبق عن شيخه القاضي أبي الطيب مِن إطلاق الجواز مِن غير تعيين عقل أو سمع، لأنَّ تلميذه أوضَحَ بذلك مُراد شيخه.

وأما قول ابن السمعاني: (إنَّ الشافعي نَصَّ في عامة كُتبه أن القرآن لا يُنسخ بالسُّنَّة، واختُلف في أن ذلك بالعقل أو بالشرع، والظاهر مِن مذهبه أنهما جميعًا) (١). فمراده بالعقل: القياس. فإنَّ الفقهاء كثيرًا ما يريدون به ذلك كما سبق بيانه في مسألة التحسين والتقبيح العقليين.

قيل: والمراد بالمنع سمعًا دَفْع توهُّم بعض الأغبياء أنَّ الله تعالى لم يَرْضَ بما سَنَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

وما أسمج هذا! فإنَّ الكل مِن عند الله، والنبي لا ينطق عن الهوى، إنْ هو إلا وَحْي يوحى.

وثالثها: أنَّ الذي ينبغي حمل منعِ الشافعي شيئًا من ذلك على عدم الوقوع كما ينقل عن ابن سُريج -إمام أصحابنا- القول به، لا على عدم الجواز لا عقلًا ولا سمعًا.

قال القاضي تاج الدين السبكي: (لم أجد -مع تنقيبي عن ذلك- في نصوصه تصريحًا بمنع جوازه) (٢).


(١) قواطع الأدلة (١/ ٤٥٠).
(٢) رفع الحاجب (٤/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>