وكلما نَسخت سُنةٌ سُنةً فقدْ سَن سُنة حسنة وإنْ كان معها قرآن، وكل هذه الأمور تعليل للواقع، وسنده الاستقراء.
وهو معنى قولي:(حَتَّى يَكُونَا جِنْسَا ذَاكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ قَدْ أُحِسَّا). أي: عُلم بطريق الحس، وهو سماع الوارد بأسانيده الصحيحة.
تنبيه:
قيل: كلام الشافعي في "الرسالة" قَبْل بعض ما نقلناه مِن نصوصه يقتضي أن السُّنَّة لا يَثبت نسخها إلا بسُنة، ولا ينعقد الإجماع على أنها منسوخة إلا مع ظهور الناسخ.
حيث قال الشافعي:(أيحتمل أن يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - سُنة مأثورة وقد نُسخت ولا يؤثَر له السُّنَّة التي نَسختها؟ فلا يحتمل هذا، وكيف يحتمل أن يؤثَر ما وُضِع فَرْضُه ويُترك ما لَزِمَ فرضه. فلو جاز هذا، خرجت عامة السنن مِن أيدي الناس بأنْ يقولوا: لعلها منسوخة. وليس يُنسخ فرضٌ أبدًا إلا أُثبِتَ مكانه.
فإنْ قيل: فهل تنسخ السُّنَّة بالقرآن؟ قيل: لو نُسخت السُّنَّة بالقرآن) (١) إلى آخِر النص كما ذكرناه آنفا.
وهذه غير المسألة السابقة، فإنَّ المراد هنا أن الاستقراء يدل على أنه ما مِن سُنة نُسخت بسُنة إلا وقد عُلم ما نسخها مِن السنن ولو كان الإجماع منعقدا على أنها نسخت. والله أعلم.