إحداهما: إذا قُيِّد حُكم بلفظ التأبيد، مثل:(صوموا يوم عاشوراء أبدًا)، فيجوز بعد ذلك نَسخه عند الجمهور، خلافا لبعض المتكلمين. وبه قال من الحنفية أبو بكر الجصاص وأبو منصور الماتريدي وأبو زيد الدبوسي والبزدويان الأخوان، قالوا: لمناقضة الأَبَدية؛ فيؤدي ذلك إلى البداء.
وجوابه: أن ذلك إنما تُقصد به المبالغة، لا الدوام. كما تقول:(لازم غريمك أبدًا). وإنما تريد: لازِمه إلى وقت القضاء. فيكون المراد هنا: لا تخل به إلى أن ينقضي وقته بالنَّسخ.
قالوا: إذا كان الحكم -لو أُطْلِق الخطاب (١) - مستمرًّا إلى النسخ، فما الفائدة في التقييد بالتأبيد؟
وقولي:(وَنَحْوِهَا) أي: مثل: (افْعَل ذلك دائمًا) أو: (مستمرًّا) أو شبه ذلك مما يدل على الاستمرار؛ لأن غايته أن يكون نَصًّا في الفعل في وقت ويُنسخ قبله، فيكون مثل:(صوموا غدًا) ثم يُنسخ ذلك قبل مجيء الغد.
وإلى ذلك أشرتُ بقولي: ("مُسْتَمِرًّا" قُيِّدَا). أي: كلفظ "مستمرًّا" إذا قيد به، فـ "قُيِّدَا" جملة نُعِتَ بها النكرة وهي "مُسْتَمِرًّا".
وقولي:"يَجُوزُ" هو خبر المبتدأ الذي هو "مقيد"، أي: يجوز نسخه؛ لأنَّه المحدث عنه.
وأطلقتُ ذلك ولم أقيده بالإنشاء؛ لأنَّ الخبر لا يدخله النسخ كما سبق.
نعم، الخبر عن الحكم سبق أنه كالإنشاء في جواز النسخ به، فهل يجوز نسخ ما قُيِّد منه بالتأبيد؟ أو يمتنع؟