قال القاضي: كما يجوز أنَّ الله تعالى يرفع التكاليف كلها يجوز أن يرفع بعضها بلا بدل مِن باب أَوْلي.
وأما تَعلُّق الخصم بقوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}[البقرة: ١٠٦] الآية فالمراد: لا ينسخ لفظ إلا ويُؤتَي بلفظ خير منه، لا في نَسخ الأحكام. ولو سُلِّم أن الآية باقية علي عمومها فقد يكون النسخ بلا بدل خيرًا؛ لمصلحة يعلمها الله تعالى، فالآية شاملة له.
وأيضًا: فالذي في الآية نَفْي إيقاع ذلك، فمِن أين نفي الجواز؟
وأما بحث الوقوع المشار إليه في النَّظم بالنقل عن الشافعي (رحمه الله تعالى) أنه نفاه فليس المراد أن الشافعي نفي أن لا يُنسخ حكم إلا ويثبت حُكم آخر متجدد، بل علي معني آخَر نذكره بعد حكاية النص.
وذلك أنَّ الشافعي (رحمه الله تعالى) قال في "الرسالة" في ابتداء الناسخ والمنسوخ: (وليس يُنسخ فرضٌ أبدًا إلا أُثبت مكانه فرضٌ، كما نُسخت قِبلة بيت المقدس فأثبت مكانها الكعبة)(١). انتهى
قال الصيرفي في شرحه:(إن مراده أن يُنقل مِن حظر إلي إباحة أو مِن إباحة إلي حظر أو تخيير علي حسب أحوال الفروض).
قال:(كنسخ المناجاة، فإنه تعالى لَمَّا فرض تقديم الصدقة، أزال ذلك بِرَدِّهم إلي ما كانوا عليه. فإنْ شاءوا تَقرَّبوا إلى الله تعالى بالصدقة، وإنْ شاءوا ناجوه من غير صدقة).
قال:(فهذا معنى قول الشافعي: فرض مكان فرض. فَتَفَهَّمه). انتهى