فظهر أن مراد الشافعي بالبدل أَعَم مِن حُكم آخر ضد المنسوخ، كالقبلة أو الرد لِما كانوا عليه قبل شَرْع المنسوخ، كالمناجاة. فالمدار على ثبوت حُكم شرعي في المنسوخ في الجملة حتى لا يتركوا هملًا بلا حُكم في ذلك المنسوخ بالكُلية؛ إذْ ما في الشريعة منسوخ إلا وقد انتقل عنه إلى أمر آخَر ولو أنه إلى ما كان عليه قبل ذلك، فلم يغادر الرب سبحانه وتعالى عباده هملًا.
فالصور أربع:
[إحداها](١): الجواز. ولا يخالف فيه إلا بعض المعتزلة والظاهرية.
والثانية: الوقوع بلا بدل أصلًا، ويصير ذلك بلا حُكم أصلًا، بل يبقي كالأفعال قبل ورود الشرع. وهذا -مع جوازه- لم يَقُل به أحد، ولا حُفِظ فيه شيء في الشرع يكون مِثالًا له.
والثالثة: وقوعه ببدل، إما بإحداث أمر (كالكعبة) أو بإباحة ما كان واجبًا (كالمناجاة)، وهو الذي أراده الشافعي بقوله السابق، فلا يُفهم مما أراد من البدل إلا ذلك، وهو قضية كلام القاضي أبي بكر أيضًا، وهو الحقُّ كما قررناه.
والرابعة: وقوعه ببدل متجدد أصل -كالكعبة بعد بيت المقدس- يكون شرطًا لا بُد منه، وهي مسألة الوقوع التي يقع فيها الخلاف.
والجمهور علي عدم اشتراط مثل ذلك، وليس ذلك محل كلام الشافعي.
وممن أشار إلي ما قررناه إمام الحرمين في "التلخيص مختصر التقريب"، والله أعلم.