للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دليل القول الصحيح -أنه جائزٌ واقعٌ- أنَّ الكَف عن الكفار كان واجبًا بقوله تعالي: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب: ٤٨]، فنُسخ بإيجاب القتال وهو أثقل، أي: أكثر مشقة.

وكذا نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء بصوم رمضان، وهو أثقل. ولكن هذا علي طريقة مَن قال: كان عاشوراء واجبًا، فنُسخ برمضان. وهو قول أبي حنيفة وظاهر كلام أحمد، وعليه جريتُ في التمثيل في النَّظم تبعًا لتمثيل كثير من الأصوليين. لكني لوحتُ بقولي: (انْقُلَا) إلي الأمر بنقل هذا عن مَن قاله ومَثِّل به ولكن لا تعتقده. هذا مرادي: بـ "انْقُلَا".

وقصرتُ "عَاشُورَا"؛ للضرورة.

والذي قاله الشافعي: إنه لم يكن واجبًا، إنما كان متأكد الاستحباب فقط. وبه قال كثير مِن الحنابلة وغيرهم. ولَمَّا فُرض رمضان لم يَصِر تأكُّده بَعد ذلك كما كان قَبله.

نعم، وافق بعض أصحاب الشافعي أبا حنيفة في ذلك؛ تمسُّكًا بظواهر أحاديث وردت لا تقاوم صريح الأحاديث الصحيحة، كحديث معاوية في "الصحيحين" أنه حج، فقال علي المنبر يوم عاشوراء: "يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لهذا اليوم: هذا يوم عاشوراء، لم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم. فمَن أَحَب منكم أن يصوم، فَلْيَصُم، ومَن أَحَب أنْ يفطر فليفطر" (١).

وفي "مسلم" عن عائشة - رضي الله عنه -: "إنَّ يوم عاشوراء كان يُصام في الجاهلية، فلمَّا كان الإسلام مَن شاء صامه ومَن شاء تركه" (٢). وغير ذلك وليس هذا محل بسطه. والله أعلم.


(١) صحيح البخاري (١٨٩٩)، صحيح مسلم (رقم: ١١٢٩).
(٢) صحيح مسلم (رقم: ١١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>