أي: إذا نُسخ الوجوب وحده، فهل يرتفع معه الجواز؟ أو يبقي؟
فيه مذهبان:
أحدهما: وهو ما جرى عليه الإمام الرازي وأتباعه: أنَّ الجواز بعد نَسخ الوجوب باقٍ؛ لأنَّ الصورة أنه رفع الوجوب وحده بأنْ يقول الشارع: نسختُ الوجوب أو حُرْمَة الترك، أو: رفعتُ ذلك. والوجوب كان مُركبًا مِن جزأين: أحدهما هذا، والثاني جواز الفعل. فإذا رفع أحدهما، يبقي الآخَر. بخلاف ما لو نُسخ الوجوب بالتحريم، أو قال: رفعتُ ما دل عليه الأمر السابق مِن جواز الفعل ومنع الترك. فهذا يرتفع الجواز فيه قطعًا ويثبت التحريم. وهذا ما ذهب إليه الإمام الرازي وأتباعه، ورجَّحه المتأخرون.
ومقابلُه المذهب الثاني: نقلوه عن الغزالي: أنَّ الجواز لا يبقي، بل يرجع الأمر إلي ما كان قبل الوجوب مِن البراءة الأصلية أو الإباحة أو التحريم، وكأنَّ الوجوب بَعد نَسْخه لم يكن.
قال شيخنا الزركشي في "شرح جمع الجوامع": (إن هذا هو الذي وجدته في كلام أكثر أصحابنا الأقدمين)(١). وعاب علي ابن السبكي قوله في "شرح المنهاج": (إن الأول قول الأكثرين)؛ لأنه إنما هو قول الإمام وأتباعه.
قلتُ: لكنه يقوي بما سنذكره من قاعدة "إذا بطل الخصوص، يبقي العموم" القائل بها جماهير أصحابنا في كتب الفروع.