للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التقريب"، وإليه أشار القاضي في "التقريب" أيضًا.

قال الرافعي: (ولا فرق بين النسخ وما نحن فيه؛ لأنَّ حكم النسخ إما إيجاب امتثال الأمر الثاني وإما إخراج الأول عن الاعتداد به، فالإيجاب لا يَثبت قبل العِلم؛ لاستحالة التكليف بغير المعلوم، وهذا النوع لا يثبت في الوكالة؛ لأنَّ أمر الموكل غير واجب الامتثال. والنوع الثاني ثابت هناك أيضًا قبل العِلم حتي يَلزمه القضاء، ولا تبرأ ذِمته بالأول) (١).

قال الشيخ تقي الدين السبكي: (وما قاله الرافعي مِن لزوم القضاء في النسخ بعيد؛ لأنَّ أهل قباء أتاهم الخبر بنسخ القبلة وهُم في الصلاة، فاستداروا. ولو ثبت الحكم في حقهم قبل ذلك، لقضوا. وقد استشهد هو في باب استقبال القبلة [بقضية] (٢) أهل قباء على أنه ينحرف في أثناء الصلاة إلى جهة الصواب إذا قُلنا: لا يجب القضاء. والذي قاله هناك هو ما عليه جمهور الأصوليين، بخلاف ما ذكره في باب الوكالة، فإنه لا يتأتي إلا على القول المرجوح أن الحكم يَثبت في حَقِّ مَن لم يَبْلُغه الخبر ولكنه لا يأثم؛ لأنه معذور.

فإنْ قيل: فما الفرق بينه وبين الوكيل حيث ينعزل على الصحيح وإنْ لم يَبْلُغه الخبر؟

قلتُ: الفرق -كما قاله الشيخ تقي الدين- أن الاعتداد بالعبادة حقٌّ لله تعالي، والله تعالى قد شرط العِلم في الأحكام؛ بدليل أنه لا يقع منه التكليف بالمستحيل، والعقود حقُّ الموكل، ولم يَشترط العلم.

فإنْ قيل: إنما اشترط الله تعالى العِلم في خطاب التكليف، لا الوضعي، والاعتداد بالعبادة مِن خطاب الوضع.

قلتُ: بل هو راجع للتكليف، وليس كالضمان المتعلق بالذمة.


(١) العزيز شرح الوجيز (٥/ ٢٥٤).
(٢) في (س، ت): بقصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>