الشرح: اشتملت هذه الأبيات على خمسة مِن شروط [عِلة](١) الأصل.
أحدها ما ذكره ابن الحاجب وغيره: أن لا يكون ثبوت العلة متأخرًا عن ثبوت حُكم الأصل. وخالف في ذلك قوم من أهل العراق كما قاله القاضي عبد الوهاب. كما لو قيل فيمن أصابه عَرَق الكلب: أصابه عرق حيوان نجس؛ فكان نجسًا، كلعابه. فيمنع السائل كَوْن عرق الكلب نجسًا.
فيقول المستدِل: لأنه مستقذر شرعًا، أي: أمر الشارع بالتنزه منه؛ فكان نجسًا، كالبول.
فيقول المعترِض: هذه العلة ثبوتها متأخر عن حُكم الأصل، فتكون فاسدة؛ لأن حُكم الأصل -وهو نجاسته- يجب أن يكون سابقًا على استقذاره؛ لأن الحكم باستقذاره إنما هو مرتب على ثبوت نجاسته. وإنما كانت هذه العلة فاسدة لتأخرها عن حكم الأصل؛ لِمَا يَلزم مِن ثبوت الحكم بغير باعث (على تقدير تفسير العلة بالباعث)، وقد فرضنا تأخُّرها عن الحكم، وهو محُال.
فإن قلنا بأن العلة أَمارة مُعَرِّفة لا باعثة فيلزم منه تعريف المعَرف، وهو محال؛ لأن الفرض أن الحكم قد عُرف قبل ثبوت عِلته. لكن إنما يتأتى هذا إذا قلنا أن معنى "المُعَرِّف": الذي يحصل التعريف به. أما إذا قلنا: الذي مِن شأنه التعريف، فلا. فلذلك قال الهندي: إنَّ الحقَّ الجواز إنْ أُريدَ بالعلة المعرف. أي: لأن المعرف يتأخر، بل الحادث يُعَرِّف القديم كما في تعريف العالَم لوجود الصانع واتصافه بصفات ذاته السنية.
الثاني:
أنْ لا يعود على حُكم الأصل بالإبطال، حتى لو استنبطت مِن نَص وكانت تؤدي إلى