للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث:

يشترط في العلة إذا كانت مستنبطة أن لا تكون معارَضة بمعارِض مُنافٍ موجود في الأصل صالح للعِلية وليس موجودًا في الفرع؛ لأنه متى كان في الأصل وصفان متنافيان يقتضي كل منهما نقيض الآخر، لم يَصلح أن يُجعل أحدهما علة إلا بمرجِّح.

مثالُه قول الحنفي في نية صوم الفرض: صوم عين؛ فيتأدَّى بالنية قبل الزوال، كالنفل.

فيقال له: صوم فرض؛ فيُحتاط فيه ولا يُبْنَى على السهولة.

وقولي: (لِلْمُعَارِضِ الْمُنَافِي لَهَا) احتراز عما إذا كان المعارِض للفرع، لا للعلة، فإنه ليس من شروط العلة، خلافًا لبعضهم.

كقول شافعي في مسح الرأس: ركن في الوضوء؛ فيُسَن تثليثه، كغسل الوجه.

فيعارضه الخصم، فيقول: مسح في وضوء؛ فلا يُسن تثليثه، كالمسح على الخفين.

وذلك لأن انتفاء [المعارِض] (١) في الفرع إنما هو شرط ثبوت حُكم العلة في الفرع، لا شرط في صحة العلة نفسها، فيجوز أن تكون صحيحةً سواء ثبت الحكم في الفرع أَمْ تَخلَّف بسبب من الأسباب اقتضى تَخُّلفه. فمَن ادَّعاه شرطًا للعلة نفسها فقد وَهمَ، فالمعارضة في الفرع تَقدح في القياس، لا في خصوص العلة.

فإنْ قِيل: لم قيّد المعارِض بِـ "المُنافي"، ومفهوم المعارضة يقتضي المنافاة.

قيل: لأن المعارِض قد يكون غير مُنافٍ، وذلك في غير العلة كما سيأتي، فأريد تحقيق أن المراد هنا المنافي؛ لأن ما لا يُنافي مِن الأوصاف غايته أن يكون علة أخرى، وسبق أنه يجوز اجتماع عِلتين لمعلول واحد.


(١) في (ص، ق، ش): التعارض.

<<  <  ج: ص:  >  >>