للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: تجب أجرة المثل؛ للعادة. وقيل غير ذلك.

فمَن اعتبر المسائل، وَجَد أنَّ ما أجمعوا عليه فَلَهُ مَأْخَذ، وما اختلفوا فيه فاختلافهم في مأخذه.

وقيل في تفسيره أيضًا غير ذلك، وقد ظهر أنه لا يتحقق "استحسان" مختلف فيه.

فإنْ تحقق استحسان مختلَف فيه فمَن قال به فَقَدْ شَرَّع كما قاله الشافعي فيما سبق نقله عنه.

ويقال للقائلين به: إنْ عنيتم ما يستحسنه المجتهد بِعَقْله مِن غير دليل (كما حكاه بشر المريسي والشافعي عن أبي حنيفة وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: إنه الصحيح في النقل عنه) فأمر عظيم وقول في الشريعة بمجرد التشهي، وتفويض الأحكام إلى عقول ذوي الآراء، وقد قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠]. ولكن أصحابه ينكرون هذا التفسير عنه.

وإنْ عنيتم جواز لفظ "الاستحسان" فقط فلا إنكار في ذلك؛ فإن الله تعالى يقول: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨]، وفي الحديث: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن" (١). فالكتاب والسُّنة مشحونان بنحو ذلك، لكنكم لا تقصدون هذا المعنى، فليس لكم أن تحتجوا بمثله على "الاستحسان" بالمعنى الذي تريدونه مما سبق. على أنَّ هذا الحديث رواه أحمد والدارمي عن ابن مسعود موقوفًا عليه، ومَن رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أخطأ، ورفعه من حديث أَنَس إسناده ساقط لا يُحتج به. وعلى تقدير صحته فالمراد


(١) هو من قول ابن مسعود - رضي الله عنه - في: مسند الإمام أحمد بن حنبل (رقم: ٣٦٠٠)، المستدرك على الصحيحين (رقم: ٤٤٦٥)، وغيرهما. قال الحافظ ابن حجر في (الدراية في تخريج أحاديث الهداية، ٢/ ١٨٧): (لم أَجِدهُ مَرْفُوعًا، وَأخرجه أَحْمد مَوْقُوفًا عَلَى ابْن مَسْعُود بِإسْنَاد حسن).

<<  <  ج: ص:  >  >>