فإنْ كان باعتبار ما في الأذهان فصحيح، وأما في نفس الأمر فمنعه الكرخي، وهو قول الإِمام أحمد وجمعٍ من فقهائنا؛ لأنه يقتضي التخييرَ بين الحكمين، والإجماعُ على بطلانه.
وهل منعوه شرعا؟ أو عقلاً؟ فيه نظر.
وجَوَّزه الباقون، وذلك بأنْ يُنصب علامتان متساويتان في اقتضاء الظنين.
هذا على المشهور في النقل، ولكن كلام الغزالي يدل على أن مَن قال:(المصيب واحد) لم يُجَوِّز تَعادُل الأمارتين، وأنَّ الخلاف إنما هو بين المصوبة لكل مجتهد.
وعبارته:(إذا تعارض دليلان عند المجتهد، فالمصوبة يقولون: هذا لِعَجْزه، وإلا فليس في أدلة الشرع تَعارض)(١). انتهى
واختار الإِمام الرازي في المسألة تفصيلًا، وهو أن تعادل الأمارتين في حكمين متنافيين والفعل واحد -ككون الفعل واجبًا وحراما- جائزٌ في الجملة، غير واقع شرعًا.
أي: غير جائز الوقوع شرعًا كما يظهر لمن تَأمل كلامه أنَّ هذا مراده.
وأنَّ تَعادلهما في فِعلين متنافيين والحكم واحد جائز، كوجوب التوجه إلى جهتين قد غلب على الظن أنهما جِهَتَا القِبلة.
احتج مَن منع تَعادل الأمارتين في نفس الأمر مطلقًا بأنه لو وقع:
- فإما أن يُعمل بهما، وهو جَمع بين المتنافيين.
- أو لا يُعمل بواحد منهما، فيكون وَضْعُهما عبثًا، وهو محُال على الله تعالى.
- أو يُعمل بأحدهما على التعيين، وهو ترجيح من غير مرجِّح.
- أو لا على التعيين، بل على التخيير. والتخيير بين المباح وغيره يقتضي ترجيح أمارة