للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإباحة بعينها؛ لأنه لَمَّا جاز له الفعل والترك، كان هذا معنى الإباحة، فيكون ترجيحًا لإحدى الأمارتين بعينها.

وجوابه بأن ذلك لا يقتضي الإباحة، بل هو تخيير العمل بأي الأمارتين شاء، لا عمل بأي [الفعلين] (١) شاء؛ بدليل أنه لو كانت إحداهما تقتضي تحريمه لا ولمال: هو مُخَيَّر بين فِعله مع كونه حرامًا وبين غيره. فإذا عمل بأحدهما، وجب عليه أن يعتقد بطلان الآخر، بخلاف الإباحة، فإنه لا يعتقد فيها فساد ما لم يُفعل. ونحوه في الشرع التخيير بين أن يصلي المسافر قصرًا أو إتمامًا؛ فإنه إذا جاز له ترك الركعتين عند اختيار القصر، لا يُقال: يلزم أنَّ فِعل الركعتين مباح.

نعم، في ذلك كله نظر لا نُطَول به.

واحتج مَن جوَّز تَعادل الأمارتين في نفس الأمر بالقياس على جواز تعادلهما في الذهن، وبأنه لا يَلزم مِن فَرْضه مُحال.

وقد أجيب عن ذلك وعن تفصيل الإِمام بما يطول ذكره.

نعم، قال ابن عبد السلام في قواعده: (لا يُتصور في الظنون تَعارض كما لا يُتصور في العلوم. إنما يقع التعارض بين أسباب الظنون، فإذا تعارضت فإنْ حصل الشك، لم يحكم بشيء، فإنْ وُجد ظن في أحد الطرفين، حَكَمنا به؛ لأنَّ ذهاب مقابِلِه يدل على ضعفه. وإنْ كان كل منهما مكذبًا للآخَر، تَساقَطَا، كتعارض الخبرين والشهادتين. وإنْ لم يُكذب كل واحد منهما صاحبه، عُمِل به على حسب الإمكان، كدابَّة عليها راكبان، يُحكَم بها لهما؛ لأنَّ كُلًّا مِن اليدين لا تُكذب الأخرى) (٢). انتهى


(١) كذا في (ق)، لكن في (ت): العلتين.
(٢) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (٢/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>