للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: لا ترجيح يقول الصحابي؛ لعدم حجيته. وثالثها: إنْ شهد له الشرع بمزية كما سيأتي فهو حُجة، وإلا فلا.

الرابع: يرجح ما وافق عمل أهل المدينة. وإليه أشرتُ بقولي: (أَوِ الْمَدِينَةِ) فهو على حذف مضاف؛ لأنَّ عمل أهل المدينة وإن لم يكن حجة فَمُقَوٍّ؛ لِمَا ذكرناه من التقوية أيضًا؛ ولذلك قدمنا رواية إفراد الإقامة على رواية أبي محذورة في تعلُّمه الإقامة سبع عشرة كلمة (١). على أنه قد صح عن أبي محذورة وأولاده دوام إفراد الإقامة، وهو مُضَعِّف لرواية شَفْعها كما قاله البيهقي، قال: (أو يدل على أن الأمر صار إلى إفرادها).

وذكر إلْكِيَا الطبري هذا الترجيح بالنسبة إلى الرواية, فقال: حديث ينقل بمكة وآخَر ينقل بالمدينة تُقدَّم رواية المدينة مِن حيث إنَّ الهجرة تراخت وإنِ اتفقت له غزوات إلى مكة.

الخامس: يُقدَّم ما وافق عمل الأكثر لكن بشرط أن لا يكون المعارِض له يخفَى مِثله عليهم. وإنما قُدم الموافق للأكثر لأنَّ الأكثر يُوفَّق للصواب ما لا يوفَّق له الأقل. هذا قول الأكثرين.

ومنع جمعٌ -كالغزالي- الترجيح بذلك، قال: لعدم الحجية في قول الأكثر، ولو ساغ الترجيح يقول بعض المجتهدين لَانْسَدَّ باب الاجتهاد على البعض الآخَر.

قيل: والتحقيق أن مقابِل قول الأكثر إنْ كان قول شذوذ، فَيُرَجَّح به؛ لأنه إما إجماع على رأيٍ، وإما حُجة على رأيٍ آخر، وإما مُقَوٍّ وعاضد على رأي مَن قال ليس بحجة. وإنْ لم يكن مقابِلهم شذوذ فلا ترجيح به؛ لاحتمال أن الصواب مع الأقل.

قولي: (وَالشَّافِعِي في فِرْقَةٍ رَجَّحَ) إشارة إلى مواضع، كالتفصيل للقول الثالث في موافِق


(١) سنن الترمذي (١٩٢) وغيره، ولفظ الترمذي: (عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ
كَلِمَةً، وَالإِقَامَةَ سَبع عَشْرَةَ كَلِمَةً").

<<  <  ج: ص:  >  >>