وإلى ذلك الإشارة بقولي:(وَمنْ صَحَابَةٍ عَلَى غَيْرِ)، وهي صورة يقاس عليها ما بعدها، لا الانحصار فيها. فإنْ فُرِض في عصر واحد إجماعان فالثاني باطل؛ لأنَّ كل مَن اجتهد مِن المتأخِّر فقوله باطل؛ لمخالفته الإجماع السابق.
فإنْ كان أحد الإجماعين مختلَفًا فيه والآخَر مُتفَقًا عليه فالمتفق عليه مقدَّم، وذلك في صُوَر أشرتُ إلى بعضها في النَّظم:
أحدها: إجماع الكل مِن المجتهدين والعوام يُقدَّم على ما فيه إجماع المجتهدين دُون العوام. وقد سبق الكلام في اعتبار العوام في الإجماع وعدم اعتبارهم.
وثانيها: ما انقرض فيه عصر المجمعين يقدَّم على ما لم ينقرض؛ لَما سبق مِن الخلاف في اشتراط انقراض العصر.
وثالثها: الإجماع الذي لم يسبقه اختلاف - مقدَّم على إجماع سبق فيه اختلاف ثم وقع الإجماع. وفي قول: إنَّ المسبوق بخلاف أَرْجح؛ لأنهم اطَّلعوا على المأْخَذ، واختاروا مَأْخَذ ما أجمعوا فيه؛ فكان أقوى.
وقيل: هما سواء؛ لأنَّ في كل مُرجِّحًا. وقِس على ذلك ما سبق من الإجماعات المختلَف فيها.
واعلم أن ابن الحاجب ثم الهندي قالا: إنَّ هذه المسألة لا تُتصوَّر في الإجماعين القاطعين؛ لأنه لا ترجيح بين القاطعين، ولأنه لا يُتصوَّر التعارض بينهما، وإنما يُتصوَّر في الظنيين.
وضُعِّف قولهما ذلك بأنهما إنْ أرادا تَعارُض الإجماعين في نفس الأمر فمستحيل، سواء كانا ظنيين أو قطعيين. وإنْ أرادا فيما يغلب على الظن فظن تَعارُض الإجماعين ممكن، سواء كانا ظنيين أو قطعيين. والله أعلم.