للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[تَوَقَّف] (١) عليه صحةُ الفعل لا إيجابه، وإلا فالإيجاب متوقف على شرطه وهو البلوغ والعقل وغيرهما مما سبق مِن شروط التكليف.

نَعَم، هذا الشرط مِن أصله ينبغي اختصاصه بمقدمة الواجب إذَا كانت شرطًا لا سببًا؛ فإنَّ السبب يَلْزَم مِن وجودِه الوجودُ، فَبَعْد وجوده لو أُمر بِمُسَبَّبِه لَكَان أمرًا بتحصيل الحاصل، إلَّا أنْ يُفْرَض ذلك في سبب عادي كالسير للحج كما سيأتي، فإنه لا يَلْزَمُ مِن وجودِه وجودُ الحج، إلَّا أنْ يُقَال: إنما هو سبب لِلتمكُّن مِن الحج، لا سبب لِنَفْس الحج، لكن التمكن مِن الحج لَمَّا كان شرطًا فيه، جُعِل السيرُ سببًا للحج.

الشرط الثاني: أنْ يَكون المتوقَّف عليه مقدورًا لِلمكلَّف بِالمتوقِّف؛ لأنَّ غَيْر المقدور لا يتحقق [معه] (٢) وجوبُ الفعل، وذلك كإرادة الله تعالى وقوعه، وكالداعية التي يخلقها الله تعالى للعبد على الفعل وهي العزم المصمم، وقُدرة العبد عليه، فإنها مخلوقة لله تعالى، وإلَّا لتوقفت على مِثْلها، وذلك عَلَى آخَر، ويَلْزَم التسلسُل، ولا يجب ذلك اتفاقًا.

لكن هذا الشرط إنما يعتبره مَن لَمْ يُجَوِّز تكليفَ ما لا يُطاق -كما قاله الهندى، وأمَّا مَن يُجوزه فلا.

نَعَم، تقريره عند المانع مِن تكليف ما لا يُطاق مُشْكِل أيضًا؛ لأنَّ القُدرة مثلًا إذا لم تكن مقدورة فالأصل غَيْر مقدور؛ ضرورة كَوْنه مُقَدمته، والعجز عنها عَجْزٌ عنه، فالمتوقف حينئذ الوجوب لا الواجب، فهو كالبلوغ وسلامة الأعضاء التي بها الفعل، وقد تَقدم أنه ليس محل النزاع.

قال الشيخ تقي الدين السبكي: (رأيت جماعة خَبَّطوا في ذلك، ولم أَرَ له مثالًا صحيحًا


(١) في (ص): يتوقف.
(٢) كذا في (ص، ز، ش)، لكن في (ت، ض، ظ، ق): بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>