والإضراب بِـ "بل" بَعْد قولي: (معجز) إشارة إلى أنَّ مرادي معجز كُله، وإلَّا فقولي:(قول) صادقٌ على الكل وعلى عشر سُوَرٍ وعلى سورة وعلى آية، فالتفصيل للإيضاح وإنْ كان قد يُفهم مِن الإجمال في قولي:(قول معجز). فأقَل ما وقع التحدي به آية، لكنها إنما يُتَحدَّى بها حيث تكون مشتملة على ما به التعجيز، لا في نحو: {ثُمَّ نَظَرَ (٢١)} [المدثر: ٢١] فيكون المعنى في {بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} أَيْ: مِثله في الاشتمال على ما به يقع الإعجاز، لا مُطْلَق الكلام أو القول؛ فلذلك قلتُ:(إذْ يعجز). أَيْ: لا مُطْلَقًا، ويُعاد على سورة أيضًا إنْ جريْنا على ما سبق نقْله عن الآمدي. نَعَم، هو بعض المعجز قَطْعًا، فله دخول في الإعجاز منضمًّا إلى غيره، لا منفردًا، فالقرآن كُله معجزٌ لكن منه ما لو أُفْرِدَ لكان معجزًا بذاته، ومنه ما إعجازه مع الانضمام؛ ولذلك لم أَقُل في النَّظْم كما قال غيري:(للإعجاز بسورة منه). بل أَطْلقتُ الإعجاز ثم فصَّلته بالإضراب الانتقالي لا الإبطالي.
وما قررتُه في الآية الواحدة هو ظاهر كلام إمام الحرمين في "الشامل"، إذْ قال في بيان أقَل ما وقع به الإعجاز:(لا ينبغي أنْ يحمل على أنَّ التحدي وقع بكل آيةٍ آيةٍ ولو قَصُرَت نحو: {ثُمَّ نَظَرَ (٢١)} [المدثر: ٢١]؛ لأنَّ مِثل هذا لا يَعجز أحدٌ عن النُّطق به؛ فيُعْلَم بالضرورة أنه ما تحداهم بمثله، كما أنَّا نَعْلم أنه لم يتحداهم بكلمة أو كلمتين منه ما لم ينته إلى آية). انتهى
وقال أيضًا في "النهاية" في العاجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة وقَدَرَ على آيات متفرقة: يلزم لكن بشرط أنْ تكون كل آية مفهمة.
قال النووي في "شرح المهذب": المختار ما أَطْلَقه الأصحاب: أَيُّ آيةٍ مِن القرآن ولو كان على حدته غير مفهم.
فانظر كيف أَدْخَل في المُعجز ما هو مفهم وما ليس بمفهم، وزعَم أنَّ غير المفهم لا يجزئ، فقال النووي: إنَّ إطلاق الأصحاب يقتضي إجزاءه؛ لأنه لم يخرج عن القرآن.
وفي معنى ذلك قولهم في كتاب الصداق فيما لو أَصْدقها تعليم سُورة فلَقَّنها بعضَ آيةٍ ثُم