نسيته: لا يحسَبُ له شيء؛ لأنَّ ذلك البعض لا يُسمَّى قرَآنًا؛ لعدم الإعجاز. والمراد: لعدم إعجازه منفردًا، على أنَّ هذا الحكم هو قول ابن الصبَّاغ، وقضيَّتُه أنه لا يحرُمُ مِثل ذلك على الجُنُب، لكن صرَّح الفوراني وغيره بالمنع.
ومما يتنبه له أنَّ قولي في النَّظْم:(معجز) أَحْسَن مِن قول غيري: (للإعجاز)؛ لأنه يقتضي انحصار عِلة الإنزال في الإعجاز، والفَرْضُ أنه نزل لبيان الأحكام والمواعظ، ولكنه مع ذلك مقصود به الإعجاز أيضًا.
وخرج بقيد التعبد بتلاوته: الآيات المنسوخ لفظها، سواء بقي الحكم أَوْ لا, فإنها بَعْد النَّسخ صارت غير قرآن؛ لسقوط التعبد بتلاوتها, ولذلك لا تعطَى حُكم القرآن في مَسِّ المُحْدِث وقراءة الجنُب وقراءتها في الصلاة ونحو ذلك.
فإنْ قيل: يَلزم مِن تعريف القرآن بالقول أو باللفظ أنه لا يُسمى في حال كَوْنه مكتوبًا "قرآنًا"، وكذا حال كَوْنه محفوظًا ولم يُنْطق به، ولا خِلاف أنه قرآنٌ وإن جرت له أحكام بخلاف موجَب ذلك، كإمرار الحائض والجنُب القرآن على القلب مِن غير تَلَفُّظ, فإنه ليس بحرام، وكإحراق الخشب المكتوب فيه القرآن، ونحو ذلك, فإنَّ ذلك كله خرج بدليل.
فالجواب: أنه لفظٌ وقولٌ بالقوة، وذلك وإنْ كان مجازًا إلَّا أنَّ المجاز يقع في التعريف إذا دَلَّت على إرادته قرينة كما قرره الغزالى في "المستصفى"، ولا شك أنَّ القرائن هنا متوفرة على إرادة ذلك.
فإنْ قيل: هذا التعريف إمَّا أنْ يَكون لمجموع القرآن أو للأعم مِن ذلك ومن بعضه, فإنْ كان الأول فيقتضي أنَّ البعض لا يُسَمَّى قرآنًا، وأنْ لا يحنث إذَا حلف لا يقرأ قرَآنًا فقرأ شيئًا منه، ولا قائل بذلك. وإنْ كان الثاني فكل كلمةِ -بل كل حرفٍ- مِن القرآن قرآنٌ، وانقسامُه حينئذ إلى هذه الأفراد انقسام الكُلي إلى جزئياته، لا الكل إلى أجزائه، فالحدُّ حينئذ للماهية مِن حيث هي، فيصير قيدُ الإعجاز لَغوًا, لأنَّ الكلمة أو الحرف ليس فيه إعجاز