لكنه أجاب في "أماليه" بأنَّ المفهوم إنما قُلنا به لخلو القيد عن الفائدة لولاه، أما إذا كان الغالب وقوعه: فإذا نُطق باللفظ أوَّلًا، فُهم القيد لأجل غَلَبته، فذِكره بعد يكون تأكيدًا للحُكم المتصف بذلك القيد. فهذه فائدة أمكن اعتبار القيد فيها، فلا حاجة إلى المفهوم، بخلاف غير الغالب.
واعْلَم أن ابن دقيق العيد في "شرح العنوان" بعد أنْ نصر مقالة الجمهور قال: (يشكل على الشَّافعي في قوله: "في سائمة الغنم الزكاة"(١)، فإنه قال فيه بالمفهوم وأسقط الزكاة في المعلوفة مع أن الغالب والعادة السوم، فمقتضَى هذه القاعدة أن لا يكون لهذا التخصيص مفهوم).
انتهى وهذا السؤال ذكره القفال الشاشي وأجاب عنه بما حاصله أن اشتراط السوم لم يَقُل به الشَّافعي مِن جهة المفهوم، بل مِن جهة أن قاعدة الشرع أن لا زكاة فيما أُعِد للبذلة، وإنَّما تجب في الأموال النامية، فعُلم مِن ذلك اعتبار السوم.
نعم، قصد القفال بذلك إبطال المفهوم بالكُلية، ولكنه مردود، وسيأتي مِن نَص الشَّافعي ما يدل على أنَّه إنما أوجب في السائمة دُون المعلوفة تَعلُّقًا بما في الحديث مِن القيد.
ومنه: أن لا يكون المذكور خارجًا لجواب سؤال عنه، مِثل أن يُسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل في الغنم السائمة زكاة؟ "، فلا يَلزم مِن جواب السؤال عن إحدى الصفتين أن يكون الحكم على الضد في الأخرى؛ لظهور فائدة في الذِّكر غير الحكم بالضد.
ومنه أيضًا: أن لا يكون خرج لبيان حكم حادثة اقتضت بيان الحكم في المذكور، كما لو قيل بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لزيد غنم سائمة"، فقال:"في السائمة الزكاة"، إذِ القصد الحكم على تلك الحادثة، لا النفي عمَّا عداه.