للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بشرا ذا سَحْرٍ، أي ذا رِئَةٍ (١) ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير المستكره؟ . وقد سبق التفسير من السلف بما لا استكراه فيه. قال مُجَاهد في قوله: {إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} أي مَخْدُوعًا؛ لأن السحر حيلة وخديعة. وقالوا في قوله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (٢) أي من أين تخدَعون؟ و {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (٣) أي من المُعَلَّلِينَ (٤) . وقال امرؤ القيس:

ونُسْحَرُ بالطَّعام وبالشرابِ (٥)

أي نُعَلَّل، فكأنا نخدع. وقال لَبِيد:

فإن تسألينا: فيمَ نحن? فإنَّنا ... عصافيرُ من هذا الأنام المُسَحَّرِ (٦)

أي المُعَلَّل. والناس يقولون: سحرْتني بكلامك. يريدون خدعتني.

وقوله: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} (٧) يدل على هذا التأويل لأنهم لو أرادوا رجلا ذا رِئَةٍ، لم يكن في ذلك مَثَلٌ ضربوه. ولكنهم لما أرادوا رجلا مَخْدُوعًا – كأنه بالخديعة سُحِر – كان مثلا ضربوه، وتشبيها شبّهوه. وكأن المشركين ذهبوا إلى أن قومًا يعلِّمونه ويخدعونه. وقال الله في موضع آخر حكاية


(١) بقية كلام أبي عبيدة "رئة فهو لا يستغني عن الطعام والشراب، فهو مثلكم وليس بملك، وتقول العرب للجبان: قد انتفخ سحره، ولكل من أكل من آدمي وغيره أو شرب: مسحور ومسحر" ونصه في البحر المحيط ٦/٤٤، وتفسير القرطبي ١٠/٢٧٢، وتفسير الطبري ١٥/٦٧.
(٢) سورة المؤمنون ٨٩.
(٣) سورة الشعراء ١٥٣.
(٤) في اللسان ٦/١٢ "وسحره بالطعام والشراب: غذاه وعلله، وقيل: خدعه ".
(٥) صدره:
"أرانا موضعين لأمر غيب"
كما في ديوانه ٤٧، وتفسير القرطبي ١٠/٢٧٣، وفي اللسان ٦/١٣ "قال ابن بري قوله: موضعين أي مسرعين. وقوله: لأمر غيب، يريد الموت وأنه قد غيب عنا وقته ونحن نلهى بالطعام والشراب. والسحر: الخديعة. وقول لبيد ... يكون على الوجهين".
(٦) تفسير الطبري ١٥/٦٧، والقرطبي ١٠/٢٧٢، والبحر المحيط ٦/٤٤، واللسان ٦/١٤.
(٧) سورة الإسراء ٤٨.

<<  <   >  >>