للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ١.

قال: وهم يعلمون، وصاغ الخبر كما ترى؛ لأن الذي يكذب لا يعترف بأنه يكذب فضلا عن أن يعترف بأنه يعلم أنه كاذب، ومن هنا كان سياق العبارة سياق إنكار، فاحتاج إلى هذا القدر من التوكيد، والبلاغيون يقولون: إن هذا الأسلوب يأتي فيما سبق فيه إنكار، ويذكرون هذه الآية شاهدا على ذلك، ويذكرون من مقامات هذا الأسلوب تكذيب المدعي كقوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} ٢، قال: وهم قد خرجحوا به؛ لأنهم يدعون خلاف ذلك بقولهم: آمنا، أي أنهم لم يخرجوا بالفكر، والآية فيها جمل ثلاث: الأولى آمنا، هكذا من غير توكيد؛ لأن التوكيد من أمارات وثوق النفس فيما تقول، وهم لا يجدون في أنفسهم هذا الوثوق، وفأرسلوا العبارة هكذا فاترة فتور المعنى في نفوسهم، والجملة الثانية قوله: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} ، وهي جملة حالية فيها شيء من التحقيق المفاد بقد، والجملة الثالثة: {وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} ، وفيها من عناصر التوكيد ما ليس في غريها من الجملتين السابقتين؛ لأنها ترد على دعوى كما بينا.

وتأمل كيف تتنزل عناصر التوكيد في الكلام قطرة قطرة على وفق الأحوال بحساب دقيق.

ومن مقاماته -كما قالوا- ما يكون فيه الخبر مخالفًا لمقتضى الدليل كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ٣، فإن قوله: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ، مخالف لمقتضى حال عبادتهم لها؛ لأن المعبود لا يكون مخلوقا، فهم ينكرون مخلوقيتها، أو


١ آل عمران: ٧٨.
٢ المائدة: ٦١.
٣ النحل: ٢٠.

<<  <   >  >>